للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد أصاب سيد قطب رحمه اللَّه تعالى في وصفه لهذا الميل قال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء وإن فتنة بني إسرائيل كانت من النساء". (١)

ذلك لأن الميل الجنسي بين الرجل والمرأة من فطرة اللَّه التي فطر الناس عليها، فكما أن فطرة الطعام ضرورية للحياة والنماء فكذلك فطرة الجنس ضرورية لبقاء النوع واستمرار الحياة.

هذا الشد والجذب إلى الطعام وإلى الجنس لا يتوقف بعد تناوله أو ممارسته، فهو يحرك هاتين الشهوتين بعد زمن طال أم قصر فيشعر الإنسان بالرغبة إليهما كلما حركهما منظر الطعام أو النساء.

ولا تهدأ هذه الرغبة بكثرة الاختلاط كما يدعي المخالطون، فكما لا تهدأ الرغبة إلى الطعام بالنظر إليه حين يجوع الإنسان، كذلك لا تهدأ الرغبة إلى الجنس باعتياد النظر إليه، وكما تثير رائحة الطعام الذكية شهوة الإنسان الشبع إلى الطعام وإن أخره عن تناوله الشبع كذلك يثير تكشف المرأة رغبة الرجل إليها، وإن منعه من هذا اللقاء الحياء والأخلاق والدين وكلما كانت عوامل الإثارة قوية كالبسمة الجذابة والحركة المثيرة ومنظر اللحم المكشوف والثوب المحجم الشفاف، كلما كان الاندفاع قويًا والإقدام على مخالفة القيم والاستعداد لارتكاب الفاحشة ممكنًا، وصدق اللَّه العظيم حين وصف موقف سيدنا يوسف من امرأة العزيز فقال: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (يوسف: ٣٣)، {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} (يوسف: ٥٣).

وفي أحد أقوال المفسرين أنه من قول يوسف -عليه السلام-، والاختلاط إما أن يؤدي إلى إثارة شهوة الجنسين وزيادة حدتها، فيتحول الاتصال إلى فوضى لا ضابط لها، كما هو الأمر في أوربا وروسيا، وفي كل مجتمعات الخلط، وإما أن يؤدي هذا الاختلاط والابتذال إلى التآلف بين الجنسين فينتهي إلى البرود الجنسي وهذان أمران أحلاهما مر.


(١) البخاري (٥٠٩٦)، مسلم (٢٧٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>