للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأمراء، فترتقي أبدًا للأعلى لتفخيم أمر عدم السلطان، وأن وجوده سبب عصمة هذه الطوائف، أما لو قلت: لولا السلطان لهلك الأبطال والصبيان لعُد كلامك متهافتًا. (١)

قال ابن تيمية: وأما التقديم في اللفظ فإنه يكون للانتقال من الأدنى إلى الأعلى كقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٣)} (الأعراف: ٣٣)، وقوله: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦)} (عبس: ٣٤ - ٣٦)، وقوله: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (١) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (٢) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (٣) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا} (الذاريات: ١ - ٤)، ونظائره متعددة، وكذلك في قوله تعالى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} (الحج: ٤٠).

فبين سبحانه أنه لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت مواضع العبادات، وهدمها فساد إذا هدمها من لا يبدلها بخير منها، وأدناها هي الصوامع فإن الصومعة تكون لواحد أو لطائفة قليلة فبدأ بأدنى المعابد وختم بأشرفها وهي المساجد التي يذكر فيها اسم الله كثيرًا، ففي الجملة حكم هذه المعابد حكم أهلها، وأهلها قبل النسخ والتبديل مؤمنون مسلمون، وهدم معابد المؤمنين المسلمين فساد، وبعد النسخ والتبديل إذا غلب أهل الكتاب من هو شر منهم كالمجوس والمشركين وهدموا معابدهم كان ذلك فسادا، وإذا هدمها من هو خير منهم كأمة محمد وأبدلوها مساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولا يشرك به ويذكر فيها الإيمان بجميع كتبه ورسله كان ذلك صلاحا لا فسادا، ولهذا أمر النبي أن يتخذ المساجد مواضع معابد الكفار كما كان لثقيف أهل الطائف معبد يعبدون فيه اللات التي قال الله فيها: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩)} (النجم: ١٩).

فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يهدم ذلك المعبد ويتخذ مكانه المسجد الذي يعبد الله وحده فيه؛ فإن المساجد هي بيوت الله في الأرض قال تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ


(١) الأجوبة الفاخرة (٨٧: ٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>