للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكوني القدري فلم تدخل الرهبانية في ذلك، وإن كان المراد الجعل الخلقي الكوني فلا مدح للرهبانية في ذلك.

ومنها: أن الرأفة والرحمة جعلها في القلوب، والرهبانية لا تختص بالقلوب؛ بل الرهبانية ترك المباحات من النكاح واللحم وغير ذلك، وقد كان طائفة من الصحابة رضوان الله عليهم هموا بالرهبانية فأنزل الله تعالى نهيهم عن ذلك بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (المائدة: ٨٧).

وثبت في الصحيحين أن نفرًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أحدهم: أما أنا فأصوم لا أفطر، وقال آخر: أما أنا فأقوم لا أنام، وقال آخر: أما أنا فلا أتزوج النساء، وقال آخر: أما أنا فلا آكل اللحم، فقام النبي خطيبًا فقال: "ما بال رجال يقول أحدهم كذا وكذا؟ لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني.

وفي صحيح البخاري، أن النبي رأى رجلًا قائمًا في الشمس فقال: "ما هذا؟ "قالوا هذا أبو إسرائيل. نذر أن يقوم في الشمس، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم فقال: "مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صومه".

وثبت في صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في خطبته: "خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة".

وفي السنن عن العرباض بن سارية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة".

وقد بينت النصوص الصحيحة أن الرهبانية بدعة وضلالة، وما كان بدعة وضلالة لم يكن هدى ولم يكن الله جعلها بمعنى أنه شرعها كما لم يجعل الله ما شرعه المشركون من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، فإن قيل: قد قال طائفة: معناها ما فعلوها إلا ابتغاء

<<  <  ج: ص:  >  >>