في اللغة يشمل أفراد الإنسان كافة رجالًا ونساء، فهو على هذا يقرر الأخوة -أخوة النسب- بين الرجل والمرأة؛ إذ خلقهما من {ذَكَرٍ وَأُنْثَى}، فكل منهما شقيق الآخر، ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرر هذه الحقيقة بقوله:"إنما النساء شقائق الرجال". . وأخوة النسب على هذا النحو تقتضي المساواة فيه؛ إذ لا يكون أحد الشقيقين أوفر حظًا في النسبة إلى أبويه من الآخر، فالمرأة على هذا مساوية للرجل في النسبة إلى الأبوين، لا تزيد فيها عنه ولا تنقص. وهي إنسان مثله مساوية في الإنسانية.
وذلك قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}(النساء: ١)، وشاهدنا يتعلق من هذه الآية الكريمة بثلاث جمل:
الأولى: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} فهو إذ يُنادي الجميع بكلمة (النَّاسُ) يختلف عن سابقه في المراد بالنداء، فهو هنا يطلب إليهم أن يتقوا ربهم، وهناك يخبرهم بخصائص روحية في النفس، ولا صلة لها بتة بما بين الأفراد من روابط النسب، وعلائق اللحم والدم: فإذا نودي (النَّاسُ) أن يتقوا ربهم، فالنداء متوجه إليهم باعتبار خصوصية الإنسانية فيهم، تلك الخصوصية التي تجعلهم نوعًا قائمًا بذاته بين (أنواع) كائنات هذه الأرض. . . وبما أن المرأة داخلة مع الرجل في مفهوم كلمة الناس-على ما قدمناه- فهي مخاطبة معه بتكاليف التقوى، أي: أن الخطاب متوجه إليها باعتبار خصوصية الإنسانية فيها، فهي -إذًا- إنسان كما هو إنسان.
والجملة الثانية: مما يتعلق به مرادنا قوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} فإن دلالة هذا القول على النسبة الروحية أوضح وأوكد من دلالتها على قوة النسب الحسي الذي لا بد فيه من نفسين اثنتين (نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) ولا سيما أن النفس في اللغة تدلُّ على الروح، وعلى الصفات المعنوية للمرأة، ولا تقتصر دلالتها على شخص الإنسان الظاهر للحس.
والجملة الثالثة: قوله تعالى: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} فإنها مع سابقتيها تسهم في توكيد