للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد شرع اللَّه للمؤمنين شِرعة الإِخاء بقوله جل شأنه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: ١٠)، فلم يكن يفرق بين المسلمة والمسلم، ولا بين المسلم والمسلمة، وكذلك استنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سنة المساواة بقوله: "المسلم أخو المسلم". (١)

مزَّق الإسلام حجب الفوارق بين النساء كما مزقها بين الرجال، فتطامنت الرءوس، وتساوت النفوس، فلم يكن بين المرأة والمرأة إلا الخير تتقدم به، أو العمل الصالح تسبق إليه، فأما أن تُدِلَّ بعَرَض طارف، أو تعتز بحسب قديم فذلك ما لا يقدمها أُنملة، ولا يغني عنها من اللَّه شيئًا.

عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين أنزل اللَّه عز وجل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤)} (الشعراء: ٢١٤) قال: "يا معشر قريش! -أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من اللَّه شيئًا، يا بني عبد مناف! لا أغني عنكم من اللَّه شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من اللَّه شيئًا، ويا صفيةُ عمةَ رسول اللَّه، لا أغني عنكِ من اللَّه شيئًا، ويا فاطمة بنت محمد، سليني ما شئتِ من مالي، لا أغني عنكِ من اللَّه شيئًا" (٢)، ولا أدل على ما نقول من: حديث فاطمة بنت الأسود المخزومية -وهي امرأة من ذوات الشرف والحسب في قريش- وَهَنت نفسها، فسرقت، فقامت عليها البينة، فوجب عليها الحد فأَهَمَّ ذلك قريشًا، فقالوا: من يكلم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِبُّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكلَّم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فتلوَّن وجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "أتشفع في حَدٍّ من حدود اللَّه؟ "فقال أسامة: استغفر لي يا رسول اللَّه، فلما كان بالعشي، قام فاختطب، فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد: فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم اللَّه لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" (٣)، ثم أمر -صلى اللَّه عليه وسلم- بتلك المرأة التي سرقت،


(١) رواه البخاري (٢٣١٠) ومسلم (٢٥٦٤).
(٢) رواه البخاري (٢٦٠٢)، ومسلم (٢٠٦) من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.
(٣) رواه البخاري (٣٢٨٨)، ومسلم (١٦٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>