كذلك حتى نزل في شأنها قرآنا، فكأنه أرغمها على زواجه لما ألهمه اللَّه من المصلحة لها وللمسلمين في ذلك، ونزل قول اللَّه تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (٣٦)} (الأحزاب: ٣٦).
ولو كان للجمال سلطان على قلبه -صلى اللَّه عليه وسلم- لكان أقوى سلطانه عليه جمال البكر في روائه ونضرة جدته، وقد كان يراها ولم يكن بينها وبينه حجاب ولا يخفى عليه شيء من محاسنها الظاهرة، ولكنه لم يرغبها لنفسه ورغبها لمولاه، فكيف يحيد نظره إليها ويصيب قلبه سهم حبها بعد أن صارت زوجة لعبد من عبيده أنعم اللَّه عليه بالعتق والحرية؟
وكذلك لم يعرف فيما يغلب على مألوف البشر شهوة القريب وولعه بالقريب إلى درجة تبلغ حد العشق خصوصًا إذا كان عشيره منذ صغره بل المألوف زهاده الأقرباء بعضهم في بعض متى تعود بعضهم النظر إلى بعض من بداية السن إلى أن يبلغ حدًا منه يحول فيه نظر الشهوة، فكيف يظن أو يتوهم أن النبي الذي يقول اللَّه تعالى فيه: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٣١)} (طه: ١٣١).
يخالف مألوف العادة ثم يخالف أمر اللَّه في ذلك؟
أم كيف يخطر ببال أن من عصم اللَّه قلبه عن كل دنيئة يغلب عليه سلطان الشهوة في بنت عمته بعد أن زوجها لعبد من عبيده.
* عن أنس قال: لما انقضت عدة زينب -رضي اللَّه عنها-، قال -صلى اللَّه عليه وسلم- لزيد بن حارثة: اذهب فاذكرها عليَّ، فانطلق حتى أتاها وهي تخمر عجينها، قال فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع انظر إليها وأقول إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكرها، فوليتها ظهري ونكصت على عقبي وقلت: يا زينب أبشري أرسلني رسول اللَّه يذكرك، قالت: ما أنا بصانعة حتى أؤامر ربي -عزَّ وجلَّ-، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن. . . وجاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ودخل عليها بغير إذن،