وأما حجة الجمهور فهو أن يقال: قول اللَّه تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} وهو متناول لكل من شمله هذا اللفظ سواء كان حقيقةً أو مجازًا، وسواء ثبت في حقه التوارث وغيره من الأحكام أم لم يثبت إلا التحريم خاصة، وليس العموم في آية التحريم كالعموم في آية الفرائض ونحوها.
وبيان ذلك من ثلاثة أوجه:
١ - أن آية التحريم تتناول: البنت، وبنت الابن، وبنت البنت، ومثل هذا العموم لا يثبت لا في آية الفرائض ولا نحوها من الآيات والنصوص التي تتعلق فيها الأحكام بالأنساب.
٢ - إن تحريم النكاح يثبت بمجرد الرضاعة؛ فقد حرم اللَّه على المرأة أن تتزوج من طفل غذته من لبنها، أو تنكح أولاده. . . بل حرم على الطفلة المرتضعة من امرأة أن تتزوج بالفحل صاحب اللبن وهو الذي وطئ المرأة حتى در اللبن بوطئه، فإذا كان يحرم على الرجل أن ينكح بنته من الرضاع، ولا يثبت في حقها شيء من أحكام النسب سوى التحريم والحرمة، فكيف يباح له نكاح بنت خلقت من مائه، وأين المخلوقة من مائه من المتغذية بلبن در بوطئه؟ ! فهذا يبين التحريم من جهة عموم الخطاب، ومن جهة التنبيه والفحوى وقياس الأولى.
٣ - أن اللَّه تعالى قال:{وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ}
قال العلماء: احتراز عن ابنه الذي تبناه كما قال تعالى: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا}(الأحزاب: ٣٧)، ومعلوم أنهم في الجاهلية يستلحقون ولد الزنى أعظم مما يستلحقون ولد المتبنى، فإذا كان اللَّه تعالى قيد ذلك بقوله:{مِنْ أَصْلَابِكُمْ} علم أن لفظ البنات يشتمل كل من كان في لغتهم داخلًا في هذا الاسم.
ومثل هذه المسألة الضعيفة ليس لأحد أن يحكيها عن إمام من أئمة المسلمين لا على وجه القدح فيه ولا على وجه المتابعة له فيها، فإن في ذلك ضربًا من الطعن في الأئمة واتباع