ونقل الحازمي عن بعض الشافعية قال: ما يدل على أن حديث عائشة منسوخ؛ وذلك أن قصة سالم كانت في أوائل الهجرة لأنها جرت عقب نزول الآية، والآية نزلت في أوائل الهجرة، والحكم الثاني رواه أحداث الصحابة وجماعة تأخر إسلامهم نحو أبي هريرة وابن عباس وغيرهما وهذا ظاهر في النسخ لا خفاء فيه. (١)
ويجاب على دعوى النسخ بما يلي:
قال ابن القيم: ولم يأتوا على النسخ بحجة سوى الدعوى، فإنهم لا يمكنهم إثبات التاريخ المعلوم التأخر بينه وبين تلك الأحاديث، ولو قلب أصحاب هذا القول عليهم الدعوى وادعوا نسخ تلك الأحاديث بحديث سهلة لكانت نظير دعواهم، وأما قولهم إنها كانت في أول الهجرة وحين نزول قوله تعالى:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ}(الأحزاب: ٥) ورواية ابن عباس -رضي اللَّه عنه- وأبي هريرة بعد ذلك.
فجوابه من وجوه:
أحدها: أنهما لم يصرحا بسماعه من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، بل لم يسمع منه ابن عباس إلا دون العشرين حديثا وسائرها عن الصحابة -رضي اللَّه عنهم-.
الثاني: أن نساء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم تحتج واحدة منهن بل ولا غيرهن على عائشة رضي اللَّه عنها بذلك، بل سلكن في الحديث بتخصيصه بسالم وعدم إلحاق غيره به.
الثالث: أن عائشة -رضي اللَّه عنها- نفسها روت هذا وهذا، فلو كان حديث سهلة منسوخا لكانت عائشة رضي اللَّه عنها قد أخذت به وتركت الناسخ أو خفي عليها تقدمه مع كونها هي الراوية له وكلاهما ممتنع وفي غاية البعد.
الرابع: أن عائشة -رضي اللَّه عنها- ابتليت بالمسألة، وكانت تعمل بها وتناظر عليها وتدعو إليها صواحباتها، فلها بها مزيد اعتناء، فكيف يكون هذا حكما منسوخا قد بطل كونه من الدين
(١) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ (٤٤٥)، وانظر أيضًا نيل الأوطار (٧/ ١١٢).