للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كسره سيبويه على أمثلة وشواهد، ولا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنًا في خط المصحف، وربما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب، ولم يعرف مذاهب العرب وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتنان، وغبي عليه أن السابقين الأولين الذين مثلهم في التوراة والإنجيل كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام وذب المطاعن عنه من أن يتركوا في كتاب اللَّه ثلمة ليسدها من بعدهم، وخرقًا يرفه من يلحق بهم.

وقيل: هو عطف على (بما أنزل إليك) أي: يؤمنون بالكتاب وبالمقيمين الصلاة وهم الأنبياء، وفي مصحف عبد اللَّه: (والمقيمون) بالواو، وهي قراءة مالك بن دينار والجحدري عيسى الثقفي. (١)

قال ابن عطية: وإنما هذا من قطع النعوت إذا كثرت على النصب بـ (أعني)، والرفع بعد ذلك بـ (هم)، وذهب إلى هذا المعنى بعض نحوي الكوفة والبصرة. (٢)

وانتصب (المقيمين) على المدح، وارتفع (والمؤتون) أيضًا على إضمار: (وهم) على سبيل القطع إلى الرفع، ولا يجوز أن يعطف على المرفوع قبله؛ لأنَّ النعت إذا انقطع في شيء منه لم يعد ما بعده إلى إعراب المنعوت، وهذا القطع لبيان فضل الصلاة والزكاة، فكثر الوصف بأن جُعل في جمُل. (٣)

وعطفُ (المقيمين) بالنصب ثبتَ في المصحف الإمام، وقرأه المسلمون في الأقطار دون تنكير؛ فعلمنا أنه طريقةٌ عربيةٌ في عَطْفِ الأسْمَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى صِفَات محامد على أمثالها، فيجوز في بعض المعطوفات النصب على التخصيص بالمدح، والرفع على الاستئناف للاهتمام، كما فعلوا ذلك في النعوت المتتابعة سواء كانت بدون عطف أم بعطف كقوله


(١) الكشاف للزمخشري ١/ ٥٨٨.
(٢) المحرر الوجيز لابن عطية ٢/ ١٣٥.
(٣) البحر المحيط لأبي حيان ٣/ ٤١١، وانظر: فتح القدير للشوكاني ١/ ٥٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>