للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا فيما يلازم كونه مهذب الأخلاق مرضي السيرة حميد الفعال لتأدية المطلوب بسبب التأديب المصادف وقته من تمام الميل إليه وكمال استحسان حاله، وأنه كما ترى أمر تصوري لا صفة حقيقية، وهو مع ذلك منتزع من عدة أمور كالذي من قوله عز -من قائل-: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧)} فإن وجه تشبيه المنافقين بالذين شبهوا بهم في الآية هو رفع الطمع على تسني مطلوب بسبب مباشرة أسبابه القريبة مع تعقب الحرمان والخيبة لانقلاب الأسباب، وأنه أمر تَوَهُّمِي كما ترى منتزع من أمور جمة، وكالذي في قوله تعالى أيضًا: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} وأصل النظم: أو كمثل ذوي صيب فحذف ذوي لدلالة يجعلون أصابعهم في آذانهم عليه، وحذف مثل لما دل عليه عطفه على قوله: كمثل الذي استوقد نارًا إذ لا يخفى أن التشبيه ليس بين مثل المستوقدين وهو صفتهم العجيبة الشأن وبين ذوات ذوي الصيب إنما التشبيه بين صفة أولئك وبين صفة هؤلاء. (١)

* * *


(١) مفتاح العلوم للسكاكي؛ في الكلام في التشبيه ٣٣٢، ٣٤٦: ٣٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>