للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقدّم قبل الأفاعيل؛ كما تقول لعبدك: قد أعتقك اللَّه وأعتقتُك. (١)

ومن سنن العرب أن تقول: رأيت عمرًا وزيدًا وسلّمت عليه؛ أي: عليهما، قال اللَّه -عز وجل-: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وتقدير الكلام: ولا ينفقونهما في سبيل اللَّه، وقال تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} وتقديره: انفضوا إليهما، وقال جلّ جلاله: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} والمراد: أن يرضوهما. (٢)

والمقصود: أن يرضوا أحدهما؛ لأن إرضاء أحدهما إرضاء للآخر.

وقد يُذْكَر شيئان ويعاد الضمير إلى أحدهما والغالب كونه الثاني نحو: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} (البقرة: ٤٥)، فأعيد الضمير للصلاة، وقيل: للاستعانة المفهومة من استعينوا، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ} (يونس: ٥)، أي: القمر؛ لأنه الذي يعلم به الشهور. (٣)

وإنما وَحَّد الضمير؛ لأنه لا تفاوت بين رضا اللَّه ورضا رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكانا في حكم مرضيّ واحد؛ كقولك: إحسان زيد وإجماله نعشني وجبر مني، أو: واللَّه أحقّ أن يرضوه، ورسوله كذلك. (٤)

هذا وتوحيد الضمير في الآية للدلالة على أن المقصود إرضاء الرسول، وأنَّ ذكرَ اللَّه للإِشعار بأن الرسول من اللَّه بمنزلة عظيمة واختصاص قوي حتى سرى الإرضاء منه إليه. (٥)

واللغة العربية يجوز فيها رجوع الضمير لأحد المذكورين قبله. . . كقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (١١٢)}، ومن


(١) معاني القرآن للفراء ١/ ٤٤٥.
(٢) فقه اللغة للثعالبي ١/ ١٢١٨.
(٣) شرح رضي الدين على كافية ابن الحاجب ٢/ ٣٥١، وانظر: الإتقان للسيوطي ٢/ ١٠٤.
(٤) الكشاف للزمخشري ٢/ ٢٨٥، وكذلك قال ابن سيده في إعراب القرآن ٥/ ٢٩٠.
(٥) كتاب الكليات لأبى البقاء الكفوي ١/ ١٤٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>