للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحذوف في نحو: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} أن المحذوف خبر الثاني لا الأول.

قال سيبويه: فوضع في موضع الخبر لفظ الواحد؛ لأنه قد علم أن المخاطب سيستدل به على أن الآخرين في هذه الصفة. (١)

وكان الوجه أن يجيء: يرضوهما، ولكنه أفرد على تقدير: واللَّه أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه، فحذف الخبر من الأول لدلالة الثاني عليه، وهو أولى من أن يجعل المحذوف خبر الثاني لما فيه من التفريق بين المبتدأ وخبره، ولأن في ذلك التقدير جعل الخبر للأقرب إليه.

وإضمار الخبر على أنواع: منها أن يضمر الخبر لتقدم ذكره؛ كقوله: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ}، والتقدير: واللَّه أحق أن ترضوه ورسوله أحق أن يرضوه، وقوله: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} (التوبة: ٣)، أي: ورسوله برئ من المشركين. (٢)

قال ابن عاشور: أفرد الضمير في قوله: (أَن يُرْضُوهُ) مع أن المعاد اثنان لأنه أريد عود الضمير إلى أول الاسمين، واعتبار العطف من عطف الجمل بتقدير: واللَّه أحق أن يرضوه ورسوله كذلك، فيكون الكلام جملتين ثانيتهما كالاحتراس، وحذف الخبر إيجاز، ومن نكتة ذلك الإشارة إلى التفرقة بين الإرضاءين. (٣)


(١) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ٢/ ١٦٢، وانظر: الكتاب ١/ ٧٤.
(٢) إعراب القرآن المنسوب للزجاج ص ٦٨. قال تعالى: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}.
استغنى بذكر خبر الأول عن ذكر خبر الثاني لعلم المخاطب أن الثاني قد دخل في ذلك، قال ضابئ البرجمي:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقيارًا بها لغريب
فاستغنى بذكر خبر الآخر عن ذكر خبر الأول، وقال الفرزدق:
إني ضمنت لمن أتاني ما جنى ... وأبي فكنت وكان غير غدور
فاستغنى بخبر الثاني عن الأول والشواهد على هذا النحو كثيرة؛ الإنصاف في مسائل الخلاف للأنباري ١/ ٩٥ وما بعدها.
(٣) التحرير والتنوير لابن عاشور ١٠/ ٢٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>