للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاتساع، والخبر أَولى من المبتدأ؛ لأَن الاتساع بالأَعجاز أَولى منه بالصدور. (١)

{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} البرُّ معنًى من المعاني؛ فلا يكون خبره الذوات إلَّا مجازًا، فإمّا أن يُجعل البرُّ هو نفس من امن على طريق المبالغة؛ قاله أبو عبيدة، والمعنى: ولكنّ البارَّ، وإمّا أن يكون على حذف من الأول؛ أي: ولكنّ ذا البر؛ قاله الزجاج، أو من الثاني أي: برُّ من آمن؛ قاله قطرب، وعلى هذا خرَّجه سيبويه؛ قال في كتابه: وإنما هو: ولكن البرَّ برُّ من آمن باللَّه.

وإنما اختار هذا سيبويه لأن السابق إنما هو نفي كون البر هو تولية الوجه قِبلَ المشرقِ والمغرِب، فالذي يستدرك إنما هو من جنس ما ينفى، ونظير ذلك: ليس الكرم أن تبذل درهمًا ولكنَّ الكرم بذل الآلاف، فلا يناسب: ولكنّ الكريم من يبذل الآلاف إلَّا إن كان قبله: ليس الكريم بباذل درهم.

وقال المبرد: لو كنت ممن يقرأ القرآن لقرأت: ولكن البَرَّ -بفتح الباء-، وإنما قال ذلك لأنه يكون اسم فاعل، تقول: بررت أبرّ فأنا بَرّ وبارّ، قيل: فبنى تارة على فَعْلٍ نحو: كهل وصعب، وتارة على فاعل، والأولى ادِّعاء حذف الألف من (البرّ)، ومثله: سرٌّ، وقرّ، ورَبّ؛ أي: سارٌّ، وقارّ، وبارّ، ورابّ. (٢)

وهذا مثل قوله تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ} (آل عمران: ١٦٣) أي: ذوو درجات. وذلك أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما هاجر إلى المدينة وفرضت الفرائض وصرفت القبلة إلى الكعبة وحدت الحدود - أنزل اللَّه هذه الآيةَ، فقال: ليس البر كله أن تصلوا ولا تعملوا غير ذلك، ولكن البر -أي: ذا البر- من آمن باللَّه، إلى آخرها؛ قاله ابنُ عباس، ومجاهد، والضحاك، وعطاء، وسفيان، والزجاج أيضًا. (٣)


(١) الخصائص ٢/ ٣٦٢.
(٢) البحر المحيط لأبي حيان ٢/ ٤.
(٣) تفسير القرطبي ٢/ ٢٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>