للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْدُودَةً} (البقرة: ٨٠)، وتارة تعامل معاملة جمع المؤنث نحو: (أيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)، فمعدودات جمع لمعدودة؛ وأنت لا تقول: يوم معدودة، وكلا الاستعمالين فصيح، ويظهر أنه ترك فيه تحقيقًا؛ وذلك أن الوجه في الوصف الجاري على جمع مذكر إذا أنثوه أن يكون مؤنثًا مفردًا؛ لأن الجمع قد أول بالجماعة، والجماعة كلمة مفردة وهذا هو الغالب، غير أنهم إذا أرادوا التنبيه على كثرة ذلك الجمع أجروا وصفه على صيغة جمع المؤنث ليكون في معنى الجماعات؛ وأن الجمع ينْحَلُّ إلى جماعات كثيرة، ولذلك فأنا أرى أن معدودات أكثر من معدودة ولأجل هذا قال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} (البقرة: ٨٠)؛ لأنهم يقللونها غرورًا أو تغريرًا، وقال هنا: (معدودات) لأنها ثلاثون يومًا. (١)

قال ابن الأنباري: كل اسم مؤنث يجمع بالألف والتاء فهو جمع قلة نحو: الهندات والزينبات، وربما كان للكثير، وقال ابن خروف: جمعا السلامة مشتركان بين القليل والكثير، ويؤيد هذا القول قوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (الحج: ٢٨) المراد أيام التشريق وهي قليل وقال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} (البقرة: ١٨٣ - ١٨٤)، وهذه كثيرة. (٢)

وقوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} قيل في معنى: معدودة أنها قليلة كقوله: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} أي: قليلة، وقال ابن عباس وقتادة في قوله: (أيَّامًا مَعْدُودَةً): إنها أربعون يومًا مقدار ما عبدوا العجل، وقال الحسن ومجاهد: سبعة أيام، وآية الصيام في البقرة سَمَّى أيام الصوم فيها (مَعْدُودَاتٍ) وهي أيام


(١) التحرير والتنوير لابن عاشور ٢/ ١٦١، وانظر البحر المحيط لأبي حيان ٢/ ٣٩.
(٢) المصباح المنير للفيومي ٢/ ٦٩٥، يرجع إلى الفصل الذي عقده الفيومي في المصباح بعنوان: الجمع قسمان: جمع قلة وجمع كثرة ٢/ ٦٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>