مِنْ رَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلَى أُمِّ ابْنِ صَيَّادٍ فَقَالَ: سَلْهَا كَمْ حَمَلَتْ بِهِ؟ فَسَأَلْتُهَا فَقَالَتْ: حَمَلْت بِهِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ.
فَكَانَ فِي هَذَا إخْبَارُ أَبِي ذَرٍّ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ أُمِّ ابْنِ صَيَّادٍ أَنَّهَا حَمَلَتْ بِهِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا؛ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ رَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دَفْعٌ لِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ مُحَالًا لَأَنْكَرَهُ عَلَيْهَا وَدَفَعَهُ مِنْ قَوْلِهَا، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ الْحَمْلَ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ عَلَى مَا قَدْ قَالَهُ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلِ الْكُوفَةِ، وَمِمَّنْ سِوَاهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ سِوَى هَذَيْنِ الْمِصْرَيْنِ، وَإِنْ كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِي مِقْدَارِ أَكْثَرِ الْمُدَّةِ فِي ذَلِكَ، فَتَقُولُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: إنَّهُ سَنَتَانِ لَا أَكْثَرُ مِنْهُمَا، وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَسَائِرُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: هُوَ أَرْبَعُ سِنِينَ لَا أَكْثَرُ مِنْهَا، وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَثِيرٌ مِنْ قُدَمَاءِ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: إنَّهُ يَتَجَاوَزُ ذَلِكَ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ مِنْ الزَّمَانِ؛ مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ -رَحِمَهُ اللَّه-، وَاحْتَجْنَا عِنْدَ اخْتِلَافِهِمْ هَذَا إلَى طَلَب الْأَوْلَى مِمَّا قَالُوهُ مِنْ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ فَوَجَدْنَا اللَّه -عزَّ وجلَّ- قَدْ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}، فَكَانَ فِي ذَلِكَ جَمْعُ الْحَمْلِ وَالْفِصَالِ فِي ثَلَاثِينَ شَهْرًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَنْهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَقَاوِيلِ اللَّاتِي ذَكَرْنَا فَكَانَ يَخْرُجُ عَنْ الثَّلَاثِينَ شَهْرًا، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَكَانَ الْحَمْلُ حَوْلَيْنِ - كَانَ الْبَاقِي مِنْ الثَّلَاثِينَ شَهْرًا سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ سَأَلَ عَنْهُ بَعْضُ مَنْ سَأَلَ فَقَالَ: أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفِصَالُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَأَبْدَانُ الصِّبْيَانِ لَا تَقُومُ بِهَا؛ لِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ مِنْ الرَّضَاعِ إلَى مُدَّةٍ هِيَ أَكْثَرُ مِنْهَا؟
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّه -عزَّ وجلَّ- وَعَوْنِهِ: أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلُودُونَ بَعْدَ مُضِيِّ تِلْكَ السِّتَّةِ الْأَشْهُرِ يَرْجِعُونَ إلَى لَطِيفِ الْغِذَاءِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَيْشًا لَهُمْ وَغِنًى لَهُمْ عَنْ الرَّضَاعِ، غَيْرَ أَنَّا تَأَمَّلْنَا مَا فِي كِتَابِ اللَّه -عزَّ وجلَّ- مِنْ ذِكْرِ الْحَمْلِ وَالْفِصَالِ فَوَجَدْنَا مِنْهُ الآيَةَ الَّتِي قَدْ تَلَوْنَاهَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي هَذَا الْبَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute