للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَدَتْ وَلَدًا قَدْ نَبَتَتْ ثَنِيَّتاهُ يُشْبِهُ أَبَاهُ، فَلَمَّا رَآهُ الرَّجُلُ قَالَ: ابْنِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. فَقَالَ عُمَرُ -رضي اللَّه عنه-: أَتَعْجَزُ النِّسَاءُ أَنْ يَلِدْنَ مِثْلَ مُعَاذٍ؟ ! لَوْلَا مُعَاذٌ لَهَلَكَ عُمَرُ -رضي اللَّه عنه-! فَقَدْ وَضَعَتْ هَذَا الْوَلَدَ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، ثُمَّ أَثْبَتَ نَسَبَهُ مِنْ الزَّوْجِ. وَقِيلَ: إنَّ الضَّحَّاكَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لِأَرْبَعِ سِنِينَ، وَوَلَدَتْهُ بَعْدَ مَا نَبَتَتْ ثَنِيَّتَاهُ وَهُوَ يَضْحَكُ؛ فَسُمِّيَ ضَحَّاكًا. وَعَبْدَ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِيَّ -رضي اللَّه عنه- وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لِأَرْبَعِ سِنِينَ، وَهَذِهِ عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي نِسَاءِ مَاجِشُونَ -رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ- أَنَّهُنَّ يَلِدْنَ لِأَرْبَعِ سِنِينَ. وَلَنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّه عَنْهَا- قَالَتْ: (لَا يَبْقَى الْوَلَدُ فِي رَحِمِ أُمَّهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَوْ بِفَلْكَةِ مِغْزَلٍ)، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعْرَفُ بِالرَّأْي، فَإِنَّمَا قَالَتْهُ سَمَاعًا مِنْ رَسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ وَلأَنَّ الْأَحْكَامَ تَنْبَنِي عَلَى الْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ، وَبَقَاءُ الْوَلَدِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ، فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا؛ مَعَ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لِمَا يُحْكَى فِي هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّ الضَّحَّاكَ وَعَبْدَ الْعَزِيزِ مَا كَانَا يَعْرِفَانِ ذَلِكَ مِنْ أَنْفُسِهِمَا، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمَا كَانَ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا فِي الرَّحِمِ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّه -تعالى-، وَلَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ -رضي اللَّه عنه-؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَثْبَتَ النَّسَبَ بِالْفِرَاشِ الْقَائِمِ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ أَوْ بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ، وَبِهِ نَقُولُ.

وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَنَّهُ غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ سَنَتَيْنِ أَيْ: قَرِيبًا مِنْ سَنَتَيْنِ. إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: مَتَى كَانَ الْحَلُّ قَائِمًا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ يَسْتَنِدُ الْعُلُوقِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ؛ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ إثْبَاتُ الرَّجْعَةِ بِالشَّكِّ أَوْ إيقَاعُ الطَّلَاقِ بِالشَّكِّ فَحِينَئِذٍ يَسْتَنِدُ الْعُلُوقُ إلَى أَبْعَدِ الْأَوْقَاتِ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ وَالرَّجْعَةَ لَا يُحْكَمُ بِهِمَا بِالشَّكِّ، وَمَتَى لَمْ يَكُنْ الْحِلُّ قَائِمًا بَيْنَهُمَا يَسْتَنِدُ الْعُلُوقُ إلَى أَبْعَدِ الْأَوْقَاتِ لِلْحَاجَةِ إلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الاحْتِيَاطِ (١).

وقال ابن رشد: وأما المسترابة أعني: التي تجد حسًا في بطنها تظن به أنه حمل؛ فإنهما تمكث أكثر مدة الحمل، وقد اختلف فيه. فقيل في المذهب: أربع سنين، وقيل: خمس سنين، وقال أهل الظاهر: تسعة أشهر (٢).


(١) المبسوط (٥/ ٧).
(٢) بداية المجتهد (٢/ ٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>