{كُلُّ أُولَئِكَ} وقيل: بل المعنى: كل أولئك الجوارح يسأل عما فعل بها، قال الوالبي عن ابن عباس: يسأل العباد فيما استعملوها.
وفي قوله عزَّ وجلَّ: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤)}: بين سبحانه أن ذلك العذاب يكون في يوم تشهد ألسنتهم فيه عليهم بالقذف، وسائر أعضائهم بمعاصيهم، وفي كيفية شهادة الجوارح أقوال:
أحدها: أن اللَّه يبنيها ببنيه يمكنها النطق والكلام من جهتها فتكون ناطقة.
والثاني: أن اللَّه تعالى يفعل فيها كلامًا يتضمن الشهادة فيكون المتكلم هو اللَّه تعالى دون الجوارح، وأضيف إليها الكلام على التوسع لأنها محل الكلام.
والثالث: أن اللَّه تعالى يجعل فيها علامة تقوم مقام النطق بالشهادة، ويظهر فيها أمارات دالة على كون أصحابها مستحقين للنار، فسمي ذلك شهادة مجازًا، كما يقال: عيناك تشهدان بسهرك.
وأما شهادة الأنس فبأن يشهدوا بألسنتهم إذا رأوا أنه لا ينفعهم الجحود.
وأما قوله:{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ} فإنه يجوز أن يخرج الألسنة ويختم على الأفواه، ويجوز أن يكون الختم على الأفواه في حال شهادة الأيدي والأرجل، {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} أي: يتمم اللَّه لهم جزاءهم الحق، فالدين بمعنى الجزاء، ويجوز أن يكون المراد جزاء دينهم الحق. وفي قوله:{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ}: هذا حقيقة الختم فيوضع على أفواه الكفار يوم القيامة فلا يقدرون على الكلام والنطق.
وفي قوله تعالى:{فَهُمْ يُوزَعُونَ}: أي يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا ولا يتفرقوا {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا} أى: جاؤوا النار التي حشروا إليها {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ} بما قرعه من الدعاء إلى الحق فأعرضوا عنه {وَأَبْصَارُهُمْ} بما رأوا من الآيات الدالة على وحدانية اللَّه فلم يؤمنوا، وسائر {جُلُودُهُمْ} بما باشروه من المعاصي والأعمال القبيحة.