للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنسان؛ بل في كل شيء من خلق اللَّه تعالى كما قال تعالى: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (٥٠)} (طه: ٥٠)، ومن هداية اللَّه تعالى هدايته سبحانه وتعالى للحمام (١).

ولعل أحسن من تكلم عن هذه الهداية الإمام ابن القيم حيث يقول: والحمام يشاكل الناس في أكثر طباعه ومذاهبه؛ فإن من إناثه أنثى لا تريد إلا زوجها، وفيه أخرى لا ترد يد لامس وأخرى، لا تنال إلا بعد الطلب الحثيث، وأخرى تركب من أول وهلة وأول طلب، وأخرى لها ذكر معروف بها وهي تمكن ذكرًا آخر منها؛ وإذا غاب زوجها لم تمتنع ممن ركبها، وأخرى تمكن من يغنيها عن زوجها وهو يراهما ويشاهدهما ولا تبالي بحضوره، وأخرى تمعط الذكر وتدعوه إلى نفسها، وأنثى تركب أنثى وتساحقهما، وذكر يركب ذكرًا ويعسفه، وكل حالة توجد في الناس ذكورهم وإناثهم توجد في الحمام، وفيها من لا تبيض؛ وإن باضت أفسدت البيضة كالمرأة التي لا تريد الولد كيلا يشغلها عن شأنها، وفي إناث الحمام من إذا عرض لها ذكر أي ذكر كان أسرعت هاربة؛ ولا تواتي غير زوجها البتة بمنزلة المرأة الحرة، ومنها ما يأخذ أنثى يتمتع بها ثم ينتقل عنها إلى غيرها، وكذلك الأنثى توافق ذكرًا آخر عن زوجها وتنتقل عنه وإن كانوا جميعًا في برج واحد، ومنها ما يتصالح على الأنثى منها ذكران أو أكثر فتعايرهم كلهم حتى إذا غلب واحد منهم لرفيقه وقهره مالت إليه وأعرضت عن المغلوب (٢).

ويواصل ابن القيم حديثه القيم عن الحمام وبدائع صنع اللَّه فيه وعجيب هدايته إلى ما هداه إليه في حديث طويل ممتع يدل على أن التفكر في خلق اللَّه منهج أخذ به أهل العلم أنفسهم تحقيقًا لأمر اللَّه لعباده في التفكر والنظر فيقول: وهذا الحمام من أعجب الحيوان هداية؛ حتى قال الشافعي: أعقل الطير الحمام، وبيرد الحمام هي التي تحمل الرسائل والكتب ربما زادت قيمة الطير منها على قيمة المملوك والعبد؛ فإن الغرض الذي يحصل به


(١) (النحلة تسبح اللَّه) نقلًا عن كتاب العقيدة في اللَّه (ص ١٢٦) لـ أ. د/ عمر سليمان الأشقر.
(٢) شفاء العليل (ص ٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>