في مارس عام (٦٢٨ م) في احتفال رائع؛ حيث كان يجر مركبته أربعة أفيال، واستقبله آلاف مؤلفة من الجماهير خارج العاصمة وفي أيديهم المشاعل وأغصان الزيتون.
وهكذا صدق ما تنبأ به القرآن الكريم عن غلبة الروم في مدته المقررة، أي في أقل من عشر سنين؛ كما هو المراد في لغة العرب من كلمة:(بضع).
وقد أبدى (جبن) حيرته وإعجابه بهذه النبوءة، ولكنه كي يقلل من أهميتها ربطها برسالة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى (كسرى)، يقول جبن:"وعندما أتم الإمبراطور الفارسي نصره على الروم، وصلته رسالة من مواطن خامل الذكر من (مكة) دعاه إلى الإيمان بمحمد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولكنه رفض هذه الدعوة ومزق الرسالة. . .، وعندما بلغ هذا الخبر رسول العرب؛ قال: سوف يمزق اللَّه دولته تمزيقًا، وسوف يقضي على قوته".
"ومحمد الذي جلس في الشرق على حاشية الإمبراطوريتين العظيمتين طار فرحًا مما سمع عن تصارع الإمبراطوريتين وقتالهما، وجرؤ في إبَّان الفتوحات الفارسية وبلوغها القمة أن يتنبأ بأن الغلبة تكون لراية الروم بعد بضع سنين، وفي ذلك الوقت حين ساق الرجل هذه النبوءة لم تكون آية نبوءة أبعد مثها وقوعًا؛ لأن الأعوام الاثني عشر الأولى من حكومة (هرقل) كانت تشي بنهاية الإمبراطورية الرومانية".
بيد أن جميع مؤرخي الإسلام يعرفون معرفة تامة أن هذه النبوءة لا علاقة لها بالرسالة التي وجهها النبي إلى (كسرى أبرويز)؛ لأن تلك الرسالة إنما أرسلت في العام السابع من الهجرة بعد صلح الحديبية؛ أي: عام (٦٢٨ م)، في حين أن آية النبوءة المذكورة نزلت بمكة عام (٦١٦ م)؛ أي: قبل الهجرة بوقت طويل، فبين الحدثين فاصل يبلغ اثني عشر عامًا.
أما وجه الإعجاز: فهو تنبأ القرآن بهزيمة الفرس على أيدي الروم في بضع سنين، وقد كان، كما أنه هناك وجه إعجازي آخر في هذه الآيات؛ وهي أنها تقرر حقيقة جغرافية لم تكن معروفة عند أحد في ذلك الوقت، فالآية الثالثة من سورة الروم تبين أنهم خسروا المعركة في أدنى الأرض؛ قال تعالى: {غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ