للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبْتَغِي! فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى أَحْبَارِ الشَّامِ، فَوَجَدْتُهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّه وَيُشْرِكُونَ بِهِ، قُلْتُ: مَا هَذَا بِالدِّينِ الَّذِي أَبْتَغِي، فَقَالَ شَيْخٌ مِنْهُمْ: إِنَّكَ لَتَسْأَلُ عَنْ دِينٍ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَعْبُدُ اللَّه بِهِ إِلا شَيْخٌ بِالْحِيرَةِ، قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآنِي، قَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ بَيْتِ اللَّه، مِنْ أَهْلِ الشَّوْكِ وَالْغَرْبِ، فَقَالَ: إِنَّ الدِّينَ الَّذِي تَطْلُبُ قَدْ ظَهَرَ بِبِلادِكَ، قَدْ بُعِثَ نَبِيٌّ، قَدْ طَلَعَ نَجْمُهُ، وَجَمِيعُ مَنْ رَأَيْتُهُمْ فِي ضَلالٍ، فَلَمْ أُحِسَّ بِشَيْء بَعْدُ يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: وَقَرَّبَ إِلَيْهِ السُّفْرَةَ. . . قَالَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ: فَأَتَى النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الْبَيْتَ، قَالَ: وَتَفَرَّقْنَا فَطَافَ بِهِ، وَأَنَا مَعَهُ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قَالَ: وَكَانَ عِنْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ صَنَمَانِ مِنْ نُحَاسٍ: أَحَدُهُمَا يُقَالُ لَهُ: يَسَافٌ، وَالآخَرُ يُقَالُ لَهُ: نَائِلَةُ، وَكَانَ المُشْرِكُونَ إِذَا طَافُوا تَمَسَّحُوا بِهَمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تَمْسَحْهُمَا، فَإِنَّهُمَا رِجْسٌ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لأَمَسَّنَّهُمَا حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَمَسَسْتُهُمَا، فَقَالَ: يَا زَيْدُ، أَلَمْ تُنْهَ؟ قَالَ: وَمَاتَ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو، وَأُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِزَيْدٍ: إِنَّهُ يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ (١).

قلت:

١ - فهذا يدل على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن تلميذًا لزيد بن عمرو، بل كل ما هنالك أنه أُجريت محادثة بينهما، وأن زيدًا لم يكن ليُعلِّم النبيَّ التوحيد، بل كان رسول اللَّه موحدًا منذ أن خلقه اللَّه، ولم يشرك باللَّه شيئًا، فليس هناك أي دليل على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقع في شرك ثم أتى زيد ليعلمه التوحيد ويعلمه مما أوتي من العلم.

٢ - وحتى لو صح أن زيد بن عمرو قال بأن اللَّه دحى الأرض، لم يكن هذا شرطًا بأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخذ منه ذلك، فكما أنهما توافقا بأنهما موحدين دون أن يتعلم هذا من ذلك أمر


(١) أخرجه النسائى في الكبرى ٥/ ٥٤ (٨١٨٨)، والبزار ٤/ ١٦٥ (١٣٣١)، وأبو يعلى ١٣/ ١٧٠ (٧٢١٢)، والطبرانى ٥/ ٨٦ (٤٦٦٣)، والحاكم ٣/ ٢٣٨ (٤٩٥٦)، وابن أبى عاصم في الآحاد والمثاني ١/ ١٩٩ (٢٥٧)، والمقصد العلي (١٤٥٨)، وفي المطالب العالية (٤٥٧).
قال الهيثمي (في مجمع الزوائد ٩/ ٦٩٥): ورجال أبي يعلى، والبزار، وأحد أسانيد الطبراني رجال الصحيح غير محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>