لِلشَّيَاطِينِ}. قيل لهم: قد يحرِّك الإنسانُ يدَه أو حاجبَه أو إصبَعه فتضاف تلك الحركةُ إلى كلِّه، فلا يشكُّون أنّ الكلَّ هو العاملُ لتلك الحركة، ومتى فصَل شهابٌ من كوكب، فأحرق وأضاء في جميع البلاد فقد حكَم كلُّ إنسانٍ بإضافة ذلك الإحراق إلى الكوكب، وهذا جواب قريبٌ سهل، والحمد للَّه.
ولم يقلْ أحد: إنّه يجبُ في قوله: {وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} أنّه يَعْني: الجميع، فإذا كان قد صحّ أنّه إنَّما عَنى البعض فقد عَنى نُجُوم المجرّة والنجومَ التي تظهر في ليالى الحنادس (١)؛ لأنّه محال أن تقعَ عينٌ على ذلك الكوكبِ بعينه في وقت زوَاله حتّى يكون اللَّه عز وجل لو أفنى ذلك الكوكَب من بين جميع الكواكب الملتفَّة؛ لعرف هذا المتأمِّلُ مكانه، ولوَجَدَ مَسَّ فقدِه، ومن ظَنَّ بجهله أنَّه يستطيع الإحاطة بعدد النُّجوم فإنه متى تأَمَّلها في الحَنادس، وتأمَّل المجرَّة وما حولها؛ لم يضرِب المثل في كثرة العدد إلا بها، دونَ الرّمل والتّراب وقطْر السَّحاب.
وقال بعضُهم: يدنو الشِّهاب قريبًا، ونراه يجيء عَرْضًا لا مُنْقضًا ولو كان الكوكب هو الذي ينقضُّ لم يُر كالخيط الدّقيق، ولأضاء جميع الدُّنيا، ولأحرق كلَّ شيء مما على وجْه الأرض.
قيل له: قد تكون الكواكب أفقيّة ولا تكونْ علوية؛ فإذا كانت كذلك فصل الشِّهابُ منها عَرْضًا، وكذلك قال اللَّه تعالى:{إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ}، ، وقال اللَّه عز وجل:{أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ} فليس لكم أن تقضوا بأنّ المباشر لبدَن الشيطان هو الكوْكب حتى لا يكون غير ذلك، وأنتم تسمعونَ اللَّه تعالى يقول:{فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ}، والشِّهاب معروفٌ في اللغة، وإذا لم يُوجِبْ عليها ظاهرَ لفظ القُرآن لم ينكر أنْ يكون الشِّهَابُ كالخطّ أو كالسهم لا يضيءُ إلا بمقدار، ولا يَقْوَى على إحراق هذا العالم، وهذا قريبٌ والحمد للَّه.
(١) قال ابن منظور في لسان العرب ٦/ ٥٨ (حندس): "الحندس الظلمة. . وليلة حندسة وليل حندس: مظلم. والحنادس: ثلاث ليال من الشهر لظلمتهن".