للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما فائدة سقوطهم على الأرض؟ وما الذي أسقطهم؟ وماذا أفاد المسيحَ سقوطهم، إذا كانوا سيقبضون عليه بعدها؟ وَلم لَمْ يتكرر السقوط عندما أرادوا أخذه بعدها؟

ولنحاول أكثر أن نتصور ما حدث في تلك اللحظة، فقد اقترب يهوذا لتقبيل المسيح كعلامة للجند على أنه المطلوب، وفي تلك اللحظة اقترب الجند، حملة المشاعل والسيوف للقبض على المسيح، فتدخلت قدرة الله العظيم -كما ذكر يوحنا-، فسقطوا على الأرض، بعد أن رجعوا للوراء.

ولك أن تتخيل ما حصل، من هرج، وتدافع، من جراء سقوط مقدمة هذه الجموع التي تحمل المشاعل، والتي هي فقط تنير لها ظلمة الليل البهيم.

بعد ذلك الاضطراب والفوضى قام الساقطون من الأرض، وأفاقوا من ذهولهم لما حصل لهم، ورأوا يهوذا وحده مبهوتًا أصابه الذهول، وقد رأى المسيح يرفع للسماء، وقد ألقى الله عليه الكثير من شبه المسيح، ولكن من سيتوقع أن هذا المذهول هو يهوذا، ومن الذي يعرفه وقتذاك؟

فكانت لحظةُ وقوع الجند: لحظة الخلاص كما وصفتها المزامير "٦ الآنَ عَرَفْتُ أَنَّ الرَّبَّ مُخَلِّصُ مَسِيحِهِ" (المزمور ٢٠/ ٨)، وفي مزمور آخر: "وَأَمَّا أَنْتَ فَتبارِكُ. قَامُوا وَخَزُوا" (المزمور ١٠٩/ ٢٨)، وفي مزمور آخر يسجل تلك اللحظة الخالدة: "٩ حِينَئِذٍ تَرْتَدُّ أَعْدَائِي إِلَى الْوَرَاءِ" (المزمور ٥٦/ ٩)، و "لِيَرْتَدَّ إِلَى خَلْفٍ وَيَخْجَلِ ائشْتَهُونَ لِي شَرًّا." (المزمور ٧٠/ ٢)، و"٢ عِنْدَ مَا اقْتَرَبَ إِلَيَّ الأَشْرَارُ لِيَأْكُلُوا لَحْمِي، مُضَايِقِيَّ وَأَعْدَائِي عَثَرُوا وَسَقَطُوا. " (المزمور ٢٧/ ٢)، "١٤ لِيَخْزَ وَلْيَخْجَلْ مَعًا الَّذِينَ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لإِهْلَاكِهَا. لِيَرْتَدَّ إِلَى الْوَرَاءِ، وَلْيَخْزَ الْمَسْرُورُونَ بِأَذِيَّتِي." (المزمور ٤٠/ ١٤ - ١٥) وغيرها.

بعدها حُمل يهوذا إلى المحاكمة وإلى ديوان بيلاطس، والشك في حقيقة شخصه يلاحقه في كل هذه الخطوات، فقد شك فيه رئيس الكهنة، وكانت إجاباته لبيلاطس وهيرودس تنبيء عن الذهول الذي أصابه، وعن عجزه عن بيان الحقيقة، التي لن يُقنع أحدًا إن ذكرها، فكان يجيبهم: "أنتَ تَقُولُ" (متى ٢٧/ ١١)، "٦٦ وَلمَّا كَانَ النَّهَارُ اجْتَمَعَتْ مَشْيَخَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>