للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العبد بقوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (١١٢)} (١).

قال أهل السنة والحديث ومن وافقهم: إن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وهو سبحانه حكم عدل لا يضع الشيء إلا في موضعه الذي يناسبه ويقتضيه العدل والحكمة والمصلحة، وهو سبحانه لا يفرق بين متماثلين ولا يساوي بين مختلفين ولا يعاقب إلا من يستحق العقوبة، ويضعها بوضعها لما في ذلك من الحكمة ولا يعاقب أهل البر والتقوى، وهذا قول أهل اللغة قاطبةً.

وقال المفسرون من السلف، والخلف قاطبةً: أنَّ الظلم أن يحمل عليه سيئات غيره، والهضم هو أن ينقص من حسنات العامل (٢).

إن سائر أهل السنة الذين يقرون بالقدر ليس فيهم من يقول إن الله تعالى ليس بعدل ولا من يقول إنه ليس بحكيم ولا فيهم من يقول إنه يجوز أن يترك واجبًا ولا أن يفعل قبيحًا، فليس في المسلمين من يتكلم بمثل هذا الكلام (٣).

وإن الظلم مقدور ممكن والله تعالى منزه لا يفعله لعدله ولهذا مدح الله نفسه حيث أخبر أنه لا يظلم الناس شيئًا والمدح إنما يكون بترك المقدور عليه لا بترك الممتنع، قالوا: وقد قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} قالوا: الظلم أن يحمل عليه سيئات غيره والهضم أن يهضم حسناته، وقال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} أي لا تنقص من حسناتها ولا تعاقب بغير سيئاتها فدل على أن ذلك ظلم ينزه الله عنه، ومثل هذا في القرآن في غير موضع مما يبين أن الله ينتصف من العباد ويقضي بينهم بالعدل وأن القضاء بينهم بغير العدل ظلم ينزه الله عنه


(١) مفتاح دار السعادة لابن القيم ٢/ ٤٥٨: ٤٦٠.
(٢) مختصر الصواعق المرسلة ١/ ٢٢٢.
(٣) منهاج السنة النبوية ١/ ١٣٤: ١٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>