للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قلت: يا رسول الله ما عبدوهم؟ قال: ما عبدوهم؛ ولكن أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم (١).

والمؤمنون قالوا: لله الخلق والأمر فكما لا يخلق غيره لا يأمر غيره. وقالوا: سمعنا وأطعنا؛ فأطاعوا كل ما أمر الله به. وقالوا: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}. وأما المخلوق فليس له أن يبدل أمر الخالق تعالى ولو كان عظيما (٢).

وفي السنة مثال على هذا الأمر وهو حديث الثلاثة نفر؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَال: أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَال: آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ وَقَال: آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِمْ فَقَال: "أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَالله إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ للهَّ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" (٣).

٣) في جانب الحلال والحرام: وهم وسطٌ أيضًا في هذا الباب، فإن اليهود كما قال الله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} (النساء: ١٦٠).

فلا يأكلون ذوات الظفر؛ مثل الإبل والبط. ولا شحم الثرب (٤) والكليتين؛ ولا الجدي في لبن أمه. إلى غير ذلك مما حرم عليهم من الطعام واللباس وغيرهما؛ حتى قيل: إن المحرمات عليهم ثلاثمائة وستون نوعا. والواجب عليهم مئتان وثمانية وأربعون أمرًا وكذلك شدد عليهم في النجاسات حتى لا يؤاكلوا الحائض ولا يجامعوها في البيوت. وأما النصارى فاستحلوا الخبائث وباشروا جميع النجاسات وإنما قال لهم المسيح {وَلِأُحِلَّ


(١) رواه الترمذي (٣٠٩٥)، وحسنه الألباني، غاية المرام (٦).
(٢) مجموع فتاوى ابن تيمية (٣/ ٣٧١).
(٣) البخاري (٥٠٦٣)، وانظر: أصول الدعوة لعبد الكريم زيدان (صـ ٧٢).
(٤) الثرب: شحم رقيق يغشى الكَرِش والأمعاء، اللسان، مادة: ثرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>