قال ابن تيمية: وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة؛ فإن الله قِبَلَ وجهه فلا يبصق قبل وجهه. . . الحديث "حق على ظاهره، وهو سبحانه فوق العرش، وهو قبل وجه المصلى؛ بل هذا الوصف يثبت للمخلوقات؛ فإن الإنسان لو أنه يناجى السماء أو يناجى الشمس والقمر لكانت السماء والشمس والقمر فوقه، وكانت أيضًا قبل وجهه، وقد ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - المثل بذلك - ولله المثل الأعلى - ولكن المقصود بالتمثيل بيان جواز هذا وإمكانه؛ لا تشبيه الخالق بالمخلوق فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "ما منكم من أحد إلا سيرى ربه مخليا به" فقال له أبو رزين العقيلي: كيف يا رسول الله وهو واحد ونحن جميع؟
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: سأنبئك بمثل ذلك في آلاء الله، هذا القمر كلكم يراه مخليا به، وهو آية من آيات الله، فالله أكبر". (١)
وقال: "إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر" فشبه الرؤية بالرؤية، وإن لم يكن المرئي مشابها للمرئي، فالمؤمنون إذا رأوا ربهم يوم القيامة وناجوه؛ كلٌّ يراه فوقه قبل وجهه كما يري الشمس والقمر، ولا منافاة أصلا، ومن كان له نصيب من المعرفة بالله والرسوخ في العلم بالله؛ يكون إقراره للكتاب والسنة على ما هما عليه أوكد.
واعلم أن من المتأخرين من يقول: مذهب السلف إقرارها على ما جاءت به مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد، وهذا اللفظ مجمل؛ فإن قوله:(ظاهرها غير مراد) يحتمل أنه أراد بالظاهر نعوت المخلوقين وصفات المحدثين، مثل أن يراد بكون الله قبل وجه المصلى أنه مستقر في الحائط الذي يصلى إليه، وأن الله معنا ظاهره أنه إلى جانبنا ونحو ذلك، فلا شك أن هذا غير مراد.
ومن قال: إن مذهب السلف أن هذا غير مراد فقد أصاب في المعنى؛ لكن أخطأ بإطلاق القول بأن هذا ظاهر الآيات والأحاديث، فإن هذا المحال ليس هو الظاهر على ما قد بيناه في غير هذا الموضع، اللهم إلا أن يكون هذا المعنى الممتنع صار يظهر لبعض
(١) أخرجه أحمد (١٥٧٦٥)، وأبو داود (٤٧٣١)، وحسنه الألباني كما في ظلال الجنة (٤٥٩).