الناس، فيكون القائل لذلك مصيبا بهذا الاعتبار معذورا في هذا الإطلاق، فإن الظهور والبطون قد يختلف باختلاف أحوال الناس، وهو من الأمور النسبية، وكان أحسن من هذا أن يبين لمن اعتقد أن هذا هو الظاهر أن هذا ليس هو الظاهر؛ حتى يكون قد أعطى كلام الله وكلام رسوله حقه لفظًا ومعنى.
وإن كان الناقل عن السلف أراد بقوله:(الظاهر غير مراد عندهم) أن المعاني التي تظهر من هذه الآيات والأحاديث مما يليق بجلال الله وعظمته، ولا يختص بصفة المخلوقين؛ بل هي واجبة لله أو جائزة عليه جوازًا ذهنيا أو جوازًا خارجيا غير مراد؛ فهذا قد أخطأ فيما نقله عن السلف، أو تعمد الكذب، فما يمكن أحد قط أن ينقل عن واحد من السلف ما يدل لا نصا ولا ظاهرا أنهم كانوا يعتقدون أن الله ليس فوق العرش، ولا أن الله ليس له سمع ولا بصر ولا يد حقيقة، وقد رأيت هذا المعنى ينتحله بعض من يحكيه عن السلف، ويقولون: إن طريقة أهل التأويل هي في الحقيقة طريقة السلف، بمعنى: أن الفريقين اتفقوا على أن هذه الآيات والأحاديث لم تدل على صفات الله سبحانه وتعالى، ولكن السلف أمسكوا عن تأويلها، والمتأخرون رأوا المصلحة في تأويلها؛ لمسيس الحاجة إلى ذلك، ويقولون: الفرق بين الطريقين؛ أن هؤلاء قد يعينون المراد بالتأويل، وأولئك لا يعينون؛ لجواز أن يراد غيره، وهذا القول على الإطلاق كذب صريح على السلف.
أما في كثير من الصفات فقطعا مثل أن الله تعالى فوق العرش، فإن من تأمل كلام السلف المنقول عنهم الذي لم يحك هنا عشره؛ علم بالاضطرار أن القوم كانوا مصرحين بأن الله فوق العرش حقيقة، وأنهم ما اعتقدوا خلاف هذا قط، وكثير منهم قد صرح في كثير من الصفات بمثل ذلك، والله يعلم أني بعد البحث التام ومطالعة ما أمكن من كلام السلف ما رأيت كلام أحد منهم يدل لا نصا ولا ظاهرا ولا بالقرائن على نفي الصفات الخبرية في نفس الأمر؛ بل الذى رأيته أن كثيرا من كلامهم يدل إما نصا، وإما ظاهرا على تقرير جنس هذه الصفات، ولا أنقل عن كل واحد منهم إثبات كل صفة؛ بل الذي رأيته؛