للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن خزيمة: فصورة آدم ستون ذراعًا، التي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن آدم خُلق عليها، لا على ما توهم بعض من لم يتحر العلم، فظن أن قوله (على صورته): صورة الرحمن، صفة من صفات ذاته، جل وعلا عن أن يوصف بالموتان والأبشار، قد نزه الله نفسه وقدس عن صفات المخلوقين، فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١] (١).

وقال الخطابي: الهاء كناية عن اسمين ظاهرين فلا يصح أن يضاف إلى الله عزَّ وجلَّ لقيام الدليل على أنه ليس بذي صورة سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، فكان مرجعها إلى آدم عليه السَّلام فالمعنى أن ذرية آدم إنما خُلقوا أطوارًا كانوا في مبدأ الخلقة نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم صاروا صور أجنة إلى أن تتم مدة الحمل فيولدون أطفالا، وينشؤون صغارًا إلى أن يكبروا فتطول أجسامهم، يقول: إن آدم لم يكن خلقه على هذه الصفة، لكنه أول ما تناولته الخلقة وجد خلقًا تامًا طوله ستون ذراعًا (٢).

واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:

١ - حديث: (خلق الله آدم على صورته، طوله ... ).

قال القاضي عياض: قوله هنا (طوله ستون ذراعًا) يبين الإشكال ويزيح التشابه ويوضح أن الضمير راجع إلى آدم نفسه (٣).

وقال ابن حجر: بعد ذكره لهذا الحديث: وَهَذِهِ الرِّوَايَة تُؤَيِّد قَوْل مَنْ قَال: إِنَّ الضمِير لِآدَم، وَالمَعْنَى: أَنَّ الله تَعَالى أَوْجَدَهُ عَلَى الهَيْئَة الَّتِي خَلَقَهُ عَلَيْهَا لَمْ يَنتقِل فِي النَّشْأَة أَحْوَالًا (٤).


(١) التوحيد (١/ ٩٤).
(٢) أعلام الحديث (٣/ ٢٢٢٧).
(٣) إكمال المعلم (٨/ ٣٧٤)، وانظر التوحيد لابن خزيمة (١/ ٩٣: ٩٤).
(٤) فتح الباري (٦/ ٤٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>