للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهل أنت تعتقد أن هؤلاء الذين يدخلون الجنة على صورة القمر من كل وجه؟

فإن قلت بالأول، فمقتضاه أنهم دخلوا وليس لهم أعين، وليس لهم آناف، وليس لهم أفواه، وإن شئنا قلنا: دخلوا وهم أحجار. وإن قلت بالثاني، زال الإشكال، وتبين أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلًا له من كل وجه (١).

وخلاصة الكلام أن الصورة هنا بمعنى الصفة؛ لأن الصورة في اللغة تطلق على الصفة كما جاء في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر" يعني على صفة القمر من الوضاءة والنور والضياء، فقوله - صلى الله عليه وسلم - (إن الله خلق آدم على صورته)؛ يعني خلق آدم على صورة الرحمن؛ يعني على صفة الرحمن، ووجود الصفة في المخلوق لا يماثل وجودها في الخالق، فالله له سمع وجعل لآدم صفة السمع، والله موصوف بصفة الوجه وجعل لآدم وجها، وموصوف بصفة اليدين وجعل لآدم صفة اليدين، وهكذا.

فإذن هذا الحديث ليس فيه غرابة كما قال ابن قتيبة قال: (وإنما لم يألفه الناس فاستنكروه) (٢).

وهذا اشتراك في الصفة، والاشتراك في الصفة لا يعني الاشتراك في الكيفية؛ لأن هذا باطل، فالله سبحانه وتعالى جعل لآدم مثل الصفات التي ذكرنا، وكما جاء في الحديث هذا (خلق الله آدم على صورته)؛ و (على) ليست للتمثيل وليست للتشبيه، وإنما هي في اللغة للاشتراك، وهذا الاشتراك حاصل بدلالة النصوص، والصورة في اللغة هي الصفة، وكذلك من الصفات التي جاءت في الأحاديث أن لله عزَّ وجلَّ صورة ليست كصورة المخلوق، وهذا بمعنى الصورة الخاصة، وهو سبحانه له صورة يعني له صفات، وجعل المخلوق له من الصفات على صفات الرحمن سبحانه، وهذا هو التحقيق في معنى الحديث، خلافًا لمن


(١) شرح العقيدة الواسطية (٧٠، ٧١).
(٢) شرح العقيدة الطحاوية للشيخ صالح آل الشيخ (١/ ١٩٨)، وهذه إجابة على سؤال سُئل للشيخ صالح، وانظر شرح الفتوى الحموية للشيخ حمد التويجري (١/ ١٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>