للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الأنعام: ١٤٥). ففي هذه الآيات أباح الله تعالى الأكل من المحرمات في حال الاضطرار وكذلك أبيح الفعل المحرم حال الضرورة مثل التلفظ بكلمة الكفر عند إلاكراه عليه بالقتل أو بقطع عضو من الأعضاء مع اطمئنان القلب بالإيمان بدليل قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} (النحل: ١٠٦) (١).

وأيضًا ذكر الله تعالى الضرورة في هذه الآيات، وأطلق الإباحة في بعضها بوجود الضرورة من غير شرط ولا صفة، وهو قوله: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} فاقتضى ذلك وجود الإباحة وبوجود الضرورة في كل حال وجدت الضرورة فيها (٢).

من السنة النبوية: أ) فعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ - رضي الله عنه - قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّا بِأَرْضٍ تُصِيبُنَا بِهَا مَخْمَصَةٌ فَمَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ الميْتَةِ قَال: "إِذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا وَلَمْ تَغْتَبِقُوا وَلَمْ تَحْتَفِئُوا بَقْلًا فَشَأْنُكُمْ بِهَا" (٣).

ومعنى الحديث: إذا لم تجدوا ألبنة - تشربونها أول النهار - أو شرابًا تغتبقونه - أي تشربونه آخر النهار - ولم تجدوا بعد ذلك بقلة تأكلونها حلَّت لكم الميتة (٤).

ب) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ أَهْلَ بَيْتٍ كَانُوا بِالْحَرَّةِ مُحْتَاجِينَ قَال فَمَاتَتْ عِنْدَهُمْ نَاقَةٌ لَهُمْ أَوْ بعير لهم فَرَخَّصَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَكْلِهَا قَال: "فَعَصَمَتْهُمْ بَقِيَّةَ شِتَائِهِمْ أَوْ سَنَتِهِمْ" (٥).

ومن الأحاديث التي تثبت هذه القاعدة أيضًا الأحاديث المروية في الدفاع عن النفس أو


(١) القواعد الفقيهة الكبرى (٢٥٧).
(٢) أحكام القرآن للجصاص (١/ ١٢٦).
(٣) أحمد (٥/ ٢١٨)، والدارمي (٢/ ١٢٠/ ١٩٩٦)، وقال ابن كثير: وهو إسناد صحيح على شرط الصحيحين (تفسير ابن كثير سورة المائدة آية ٣).
(٤) الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد (١٧/ ٨٣)، نقلًا عن أبي عبيد.
(٥) أحمد (٥/ ٨٨). وفي إسناده شريك بن عبد الله القاضي وهو سيء الحفظ وكذا فيه سماك بن حرب وقد تغير بأخرة فكان ربما يلقن كما قال الحافظ في التقريب فالحديث (إسناده ضعيف).

<<  <  ج: ص:  >  >>