للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأشخاص الذين يحبهم الله، وقد جاء في الحديث الصحيح قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله" (١).

فهذا الحديث من تحقيق الإيمان بصفة الحب وصفة البغض لله سبحانه وتعالى؛ لأن العبد مأمور أن يحب ما يحبه الله، وأن يبغض ما يبغضه الله.

إذا علمنا هذا، عرفنا الانقطاع الشاسع الكبير الذي وقع فيه الجهمية ومن تأثر بهم، الذين يقولون: إنَّ الله لا يُحب ولا يبغض ولا يرضى ولا يسخط. فما أضرَّ تعطيل صفات الله تبارك وتعالى أو تعطيل شيء منها على عبادة الإنسان وسلوكه، فكم أوجد فيهم هذا المعتقد من الانحرافات التعبدية والسلوكية.

فعقيدة الجهمية كما أنَّها انحراف في المعتقد هي كذلك انحراف في العبادة والسلوك، وبحسب ما يقع فيه العبد من التعطيل لصفات الله تعالى يكون الخلل في عبادته وسلوكه؛ إذ كلامهم الباطل في صفات الله تعالى قطع عليهم الطريق لتحصيل الآثار التي تقع من العبد إثر إيمانه بهذه الصفات العظيمة. (٢)

ولهذا يقول ابن القيم: تجد أضعف الناس بصيرة أهل الكلام الباطل المذموم الذي ذمه السلف؛ لجهلهم بالنصوص ومعانيها وتمكن الشبه الباطلة من قلوبهم، وإذا تأملت حال العامة الذين ليسوا مؤمنين عند أكثرهم رأيتهم أتم بصيرة وأقوى إيمانًا وأعظم تسليمًا للوحي وانقيادًا للحق" (٣)؛ لأنهم على السنة والفطرة.

وهذا يجعلنا نتنبه، فكما أكرمنا الله -عَزَّ وَجَلَّ- بالإيمان بهذه الصفة: صفة المحبة وصفة البغض، فعلينا أن ننهض بأنفسنا، وأن نسعى جادين - مستعينين بالله - في معرفة الأمور التي يحبها الله لنفعلها فننال محبته، ولنعرف الأمور التي يبغضها فنجتنبها لنسلم من بغضه تبارك وتعالى لنا.


(١) أخرجه أحمد ٤/ ٢٨٦، والطيالسي (٧٤٧)، وابن أبي شيبة (٣٤٣٣٨)، وصححه الألباني في الصحيحة (١٧٢٨).
(٢) تذكرة المؤتسي شرح عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي ص ٥٨: ١٦٠.
(٣) مدارج السالكين ١/ ١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>