للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها سماحته مع مشركي قريش في صلح الحديبية حيث تنازل عن كتابة صفته في كتاب المصالحة كما ترجحت عنده المصلحة في ذلك لما جاءه سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَال: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا فَدَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْكَاتِبَ فَقَال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" قَال سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ فَوَالله مَا أَدْرِي مَا هي، وَلَكِنْ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللهمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ فَقَال المُسْلِمُونَ: وَالله لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللهمَّ" ثُمَّ قَال: "هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُوُلُ الله "فَقَال سُهَيْلٌ: وَالله لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ الله مَا صَدَدْنَاكَ عَنْ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنْ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله فَقَال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالله إِنِّي لَرَسُولُ الله وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي اكتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله" (١).

٣) دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - لمخالفيه من غير المسلمين. ومثال ذلك، لما قَدِمَ طُفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ وَأَصْحَابُهُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالوا: يَا رَسُولَ الله إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ وَأَبَتْ فَادْعُ الله عَلَيْهَا فَقِيلَ هَلَكَتْ دَوْسٌ قَال: "اللهمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ" (٢). وكذلك دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - لأم أبي هريرة قبل إسلامها فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مَا أَكْرَهُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَبْكِي قُلْتُ يَا رَسُولَ الله إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ فَادْعُ الله أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ" فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ الله - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ فَقَالتْ مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ المُاءِ قَال: فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا فَفَتَحَتْ الْبَابَ ثُمَّ قَالتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ... " (٣) الحديث.

ومن صور الدعاء أيضًا ما كَانَ من الْيَهُودُ حديث كانوا يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -


(١) البخاري (٢٧٣١).
(٢) البخاري (٦٣٩٧)، مسلم (٢٥٢٤).
(٣) مسلم (٢٤٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>