فقالت المعطلة - نفاة الصفات من أهل الملل -: إن الجميع إضافة ملك، وليس لله حياة قائمة به، ولا علم قائم به، ولا قدرة قائمة به، ولا كلام قائم به، ولا حب ولا بغض، ولا غضب ولا رضى؛ بل جميع ذلك مخلوق من مخلوقاته.
وهذا أول ما ابتدعته في الإسلام الجهمية، وإنما ابتدعوه بعد انقراض عصر الصحابة، وأكابر التابعين لهم بإحسان، وكان مقدمهم رجل يقال له: الجهم بن صفوان فنسبت الجهمية إليه، ونفوا الأسماء والصفات، واتبعهم المعتزلة، وغيرهم، فنفوا الصفات دون الأسماء، ووافقهم طائفة من الفلاسفة أتباع أرسطو.
وقالت الحلولية: بل ما يضاف إلى الله قد يكون هو صفة له، وإن كان بائنًا عنه؛ بل قالوا: هو قديم أزلي، فقالوا: روح الله قديمة أزلية صفة لله، حتى قال كثير منهم: إن أرواح بني آدم قديمة أزلية وصفة لله، وقالوا: إن ما يسمعه الناس من أصوات القراء ومداد المصاحف قديم أزلي، وهو صفة لله، وقال حذاق هؤلاء: بل غضبه ورضاه، وحبه وبغضه، وإرادته لما يخلقه قديم أزلي، وهو صفة الله، وكلامه الذي سمعه موسى قديم أزلي، وأنه لم يزل راضيا محبًا لمن علم أنه يطيعه قبل أن يخلق، ولم يزل غضبانًا ساخطًا على من علم أنه يكفر قبل أن يخلق، ولم يزل ولا يزال قائلًا: يا آدم! ، يا نوح! ، يا إبراهيم قبل أن يوجدوا، وبعد موتهم، ولم يزل: ولا يزال يقول يا معشر الجن والإنس قبل أن يخلقوا، وبعد ما يدخلون الجَنَّة والنار.
وأما سلف المسلمين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأئمة المسلمين المشهورون بالإمامة فيهم، كالأربعة وغيرهم، وأهل العلم بالكتاب والسنة، فيفرقون بين مملوكاته، وبين صفاته، فيعلمون أن العباد مخلوقون، وصفات العباد مخلوقة، وأجسادهم، وأرواحهم، وكلامهم، وأصواتهم بالكتب الإلهية، وغيرها ومدادهم وأوراقهم والملائكة والأنبياء وغيرها، ويعلمون أن صفات الله القائمة به ليست مخلوقة؛ كعلمه، وقدرته، وكلامه، وإرادته، وحياته، وسمعه، وبصره، ورضاه، وغضبه، وحبه، وبغضه؛ بل هو موصوف بما وصف به