للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ، قَال: لَا وَالله جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ قَال: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتهِمْ، قَال: أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ قَال: لَا وَالله يَا رَسُولَ الله جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ قَال: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتهِمْ قَال: أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ قَال: لَا، وَالله جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ، قَال: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتهِمْ، قَال: أَفتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ قَال: لَا، وَالله جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ، قَال: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَاتهِمْ قَال: أَفَتُحِبُّهُ لخِالتِكَ قَال: لَا وَالله جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ قَال: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لخَالاتهِمْ، قَال: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَال: اللهمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ" (١).

وفي هذا الحديث تتجلى السماحة النبوية حيث لم تعاقب ذلك الشاب ولم تعنفه. مع أن الصحابة أرادوا أن يزجروه وينهروه عن ذلك لكن تلك السؤالات التي ألقاها المصطفى - صلى الله عليه وسلم - على ذلك الشاب كانت درسًا عظيمًا له ولمن سمع تلك السؤالات.

وكذلك حينما يقع الشخص في بعض المحرمات، فإن الأصل قبل الحد الستر عليه، وذلك عند شرب الخمر أو عندما يرى الزنى. فالقاعدة حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَتَرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ سَتَرَ الله عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (٢).

وكذلك أيضًا تدرء الحدود بالشبهات، وهي قاعدة فقهية مشهورة، وفي ذلك أثر صحيح عن ابن مسعود موقوفًا: "ادرءوا الجلد والقتل عن المسلمين ما استطعتم" (٣).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَال: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي المُسْجِدِ فنادَاهُ فَقَال يَا رَسُولَ الله إِنِّي زَنَيْتُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَال: "أَبِكَ جُنُونٌ" قَال: لَا قَال: "فَهَلْ أَحْصَنْتَ" قَال نَعَمْ فَقَال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ" (٤).

ولما أتاه ماعز بن مالك يعترف له بالزنا قال له: "لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ"


(١) أحمد (٥/ ٢٥٦)، وصححه الألباني في الصحيحة (٣٧٥).
(٢) أحمد (٢/ ٥٢٢)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٦٢٨٧).
(٣) سنن البيهقي الكبرى (٨/ ٢٣٨). وقال: هذا موصول. وحسن إسناده الألباني في الإرواء ٨/ ٢٩.
(٤) البخاري (٦٨١٥)، مسلم (١٦٩١) عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>