وفي هذا دلالة واضحة على أن كافة الشرائع، جاءت بحفظ تلك الضرورات، وهي قاعدة عظيمة لحفظ حقوق الأفراد والمجتمعات العامة والخاصة، ففي حفظ الدين مثلًا، إعطاء لحق التدين والعبادة، وفي حفظ النفس منح لحق الإنسان في الحياة، وفي حفظ النسل، تأكيد لحق الإنسان في التزوج، وحفظ المال يتضمن حق الإنسان في التملك والسعي في الأرض وممارسة أنواع المعاملات كالبيع والشراء والشراكة والتجارة، ونحوها، وحفظ العقل فيه حق الحرية في التفكير والتدبر، وهكذا. ومما يؤصل مسألة "الحقوق" في القرآن والسنة، كثرة الفئات التي راعى القرآن والسنة حقوقها، إضافة إلى تعدد أنواع الحقوق، كما سنبين بالتفصيل.
من خلال ما سبق بيانه في مفهوم "الحقوق" وتأصيله في القرآن الكريم، يمكن أن نستشف معالم مهمة، وخصائص مميزة، لمبادئ "الحقوق في الدين الإسلامي" فمن ذلك:
١) أن مصدرها الوحي المتمثل في القرآن والسنة النبوية، فهي منحة ربانية، أوجبها الله للإنسان، فهي ليست من مخلوق لبشر مثله، يمنّ بها عليه متى شاء، أو يمنعها إذا شاء، كلّا، بل هي فرض لازم وحق واجب، من الخالق سبحانه لبني الإنسان. وقد أشارت الآيات إلى هذا في عدة مواضع كما تقدم في مثل قوله تعالى:(ذلكم وصاكم به) وقوله: (فريضة من الله) وقوله: (وقضى ربك) وغيرها.
٢) أنها تنبع من التكريم الإلهي للإنسان، الذي أكدته النصوص القرآنية الصريحة الواضحة، كقوله تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء: ٧٠] وغيرها. ولذا فإن القيام بهذه الحقوق، هو جزء من دين المسلم وعبوديته لله تعالى، وأمر مستقر في فطرة الإنسان التي فطره الله عليها.
٣) أنها شاملة لجميع أنواع الحقوق: الاجتماعية، والمالية، والسياسية، والشخصية، وغيرها، كما أنها عامة لكل أصناف المجتمع، ولجميع أفراده، حتى المخالفين منهم، كما تقدم ذكره آنفًا.
٤) أنها ثابتة لا تقبل الإلغاء ولا التبديل ولا التغيير، لأنها جزء من الدين، ولأنها فرض من رب العالمين، الذي حفظ دينه عامة، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ