للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير مشرك الجنة فهو مقطوع له به لكن إن لم يكن صاحب كبيرة مات مصرًا عليها دخل الجنة أولا، وإن كان صاحب كبيرة مات مصرًا عليها فهو تحت المشيئة فإن عفي عنه دخل أولًا، وإلا عُذب ثم أخرج من النار وخلد في الجنة. (١)

وقال أيضًا: اعلم أن مذهب أهل السنة وما عليه أهل الحق من السلف والخلف أن من مات موحدًا دخل الجنة قطعًا على كل حال، فإن كان سالمًا من المعاصي كالصغير والمجنون والذي اتصل جنونه بالبلوغ والتائب توبة صحيحة من الشرك أو غيره من المعاصي إذا لم يحدث معصية بعد توبته، والموفق الذي لم يبتل بمعصية أصلًا فكل هذا الصنف يدخلون الجنة ولا يدخلون النار أصلًا لكنهم يردونها على الخلاف المعروف في الورود، والصحيح أن المراد به المرور على الصراط وهو منصوب على ظهر جهنم أعاذنا الله منها ومن سائر المكروه.

وأما من كانت له معصية كبيرة ومات من غير توبة فهو في مشيئة الله تعالى، فإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة أولًا وجعله كالقسم الأول، وإن شاء عذَّبه القدر الذي يريده سبحانه وتعالى ثم يدخله الجنة، فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصي ما عمل، كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل. هذا مختصر جامع لمذهب أهل الحق في هذه المسألة، وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به من الأمة على هذه القاعدة، وتواترت بذلك نصوص تحصل العلم القطعي. (٢)

وفي حديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: مَا مِنْ عَبْدٍ قَال: لَا إِلَهَ إِلَّا الله ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ". قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَال: "وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ". قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَال: "وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ". ثَلَاثًا ثُمَّ قَال في الرَّابِعَةِ: "عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ" (٣).


(١) شرح مسلم للنووي ١/ ٣٧٤.
(٢) المصدر السابق ١/ ٢٥٥ - ٢٥٦.
(٣) البخاري (٥٨٢٧)، مسلم (٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>