للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعرف، فقال: "اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وأنا رسول الله"، قال فكتب، فبينما نحن كذلك، إذ خرج علينا ثلاثون شابًّا عليهم السلاح، فثاروا في وجوهنا، فدعا عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذ الله بأبصارهم، فقمنا إليهم فأخذناهم، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل جئتم في عهد أحد، أو هل جعل لكم أحد أمانًا؟ " فقالوا: لا، فخلى سبيلهم، فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} وإلى قوله {بَصِيرًا} (١).

لقد كان بإمكانه أن يأسرهم أو أن يقتلهم ولكن سماحته تأبى ذلك؛ بل قال لهم ولغيرهم من أهل مكة حينما فتحها: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

١٧ - فقد تجلّت روح التسامح عند النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى في الحرب فقد قال لهم أيضًا: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن (٢).

١٨ - ومن تسامحه مع المسْركين أيضًا أنه كان لا يمنع صلة المسلمين بأهلهم المشركين فقد أخرج البخاري بسنده عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: أتتني أمي راغبة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أصلها؟ قال: "نعم" (٣).

إن هذا المنهج العملي والقولي في التسامح والارتقاء فوق حظوظ النفس يؤتي أكله كل حين بإذن الله تعالى، فقد أثّر في نفوس الصحابة" - رضي الله عنهم - والتابعين رحمهم الله ومن جاء بعدهم إلى يومنا هذا نرى صورًا ونماذج من التسامح التي ازدانت بها صفحات التاريخ كالخليفة


(١) أخرجه النسائي (٥٣١)، وأحمد في المسند ٤/ ٨٦ - ٨٧، والحاكم في المستدرك ٢/ ٤٦٠ - ٤٦١ من طريق الحسين بن واقد عن ثابت به.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد ٦/ ١٤٥، وقال ابن حجر: أخرجه أحمد، والنسائي من حديث عبد الله بن مغفل بسند صحيح الفتح ٥/ ٣١٥، والحديث أخرجه مسلم من حديث ثابت عن أنس الصحيح (١٧٨٤) بنحوه مختصرًا.
(٢) مسلم (١٧٨).
(٣) البخاري (٥٩٧٨، ٥٩٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>