والتعاون على الإثم والعدوان. فقد حدد القرآن أساس العلاقة بين البشرية في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، والتعارف الذي هو محور العلاقات بين البشر على اختلاف شعوبهم وقبائلهم، له مدلول أبعد من مجرد معرفة شخص اسم آخر؛ بل التعارف الذي يؤدي إلى أعلى تبادل المنافع وإيجاد التعاون فيما بينهم. ومن أجل هذا التعارف يتطلب طبيعة العلاقة السلمية الإيجابية. وبذلك كان السلم هو الحالة الأصلية التي تهيئ للتعارف والتعاون وإشاعة الخير بين الناس على مختلف الشعوب والقبائل. فالتعارف الهادف بين الشعوب من أكبر أسباب السلام في المجتمع الإنساني، وقال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
فنظرة التعارف تؤدي إلى التعاون بين الأطراف المتعارفة، والإسلام يقيد التعاون المطلوب على أساس البر والتقوى. وهما جماع الخير والسلام للإنسانية في الدارين. أما التعاون على الإثم والعدوان الذي كثيرًا ما وقع بين أهل الدنيا فهو ممنوع في الإسلام؛ إذ هما من جماع الشرور والأضرار التي تفضي إلى الحروب والنزاعات وتؤجج نيران الصراع المدمر لمشروع السلام ولسعادة البشرية.
ومما تقدم تبين بوضوح أن الأصل في العلاقات الخارجية للأمة الإسلامية هو السلم، وأن الحرب والاعتداء أمر طارئ يحدث بسبب طارئ من اعتداء الكفار على المسلمين ودينهم. فالسلم مقرر لكل الناس ليس نتيجة الإيمان أو الأمان، وإنما من حيث الأصل وعدم الاعتداء، أما الحرب فإنما شرعت من أجل حماية الدعوة الإسلامية ودفع الضرر عن معتنقيه، وضمان سير الدعوة الإسلامية التي تحمل راية الرحمة والسلام. كما أثبتت تاريخيًّا الحروب التي خاضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع الكفار عن طريق الغزوات والسرايا، فإنها لا تخرج عن الأسباب المشروعة لها. وأغلب هذه الحروب تكون في موقف الدفاع برد العدوان الواقع فعلًا. والله أعلم.