يقول محمد رشيد رضا: تفضيل السلم على الحرب إذا جنح العدو لها، إيثارًا لها على الحرب التي لا تقصد لذاتها؛ بل هي ضرورة من ضرورات الاجتماع، فتقدر بقدرها، وذلك قوله تعالى عقب الأمر بإعداد كل ما تستطيع الأمة من قوة ومرابطة لإرهاب عدوه وعدوها: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١)}، ولما كان جنوح العدو للسلم قد يكون خديعة لنا لنكف عن القتال ريثما يستعدون هم له أو لغيره، وكان من المصلحة في هذه الحال أن لا نقبل الصلح منهم ما لم نستفد كل ما يمكننا منه تفوقنا عليهم، لم يعد الشارع احتمال ذلك مانعًا من ترجيح السلم؛ بل قال -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢)}. وهو برهان على أن الإسلام دين السلام، لكن عن قدرة وعزة، لا عن ضعف وذلة.
فالإسلام دين يرفض العنف ويمنع العدوان وينشر السلام، ويوطد معاني العدالة والتسامح وسمو الحوار الهادف والتواصل الإيجابي بين الناس. فهو يضع أفضل الأسس للعلاقات بين الدول وهو العدل ولا يجعل الأساس لهذه العلاقات المصلحة القومية والقوة المادية كما هو السائد في الجاهلية ثم في الحضارة المعاصرة. وقد جرب العالم دوما أن إقامة العلاقات بين الدول على أساس المصلحة القومية والقوة المادية كان سبب الحروب الطاحنة، كما وقع في الحروب العالمية المشهودة بشراستها في القرن الماضي ومطالع هذا القرن، والإسلام بريء منها، ولا عجب؛ فهذا المبدأ لا يختلف عن مبدأ أي قطاع طريق أو عصابة إجرام؛ بل أي تجمع من تجمعات الحيوانات المفترسة في الغابة.
وأكبر دليل على أن الإسلام دين السلام أنه لا يشجع الحرب والعن؛ بل يأتي لوقف الحروب الجاهلية الكثيرة وحماية الحقوق الإنسانية خاصة بين الأوس والخزرج فجاء الإسلام وأصلح بينهما صلحًا يوصلها إلى شاطئ العزة والوئام تبين ذلك في قوله تعالى:{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.