يقول ابن كثير: وهذا السياق في شأن الأوس والخزرج، فإنه كانت بينهم حروب كثيرة في الجاهلية وعداوة شديدة وضغائن، طال بسببها قتالهم والوقائع بينهم، فلمّا جاء الله بالإسلام فدخل فيه من دخل منهم صاروا إخوانًا متحابين بجلال الله متواصلين في ذات الله، متعاونين على البر والتقوى"، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، وإذا لقيتموه فاصبروا".
بل قد حرم الإسلام قتل الكافر المعاهد أو الذمي الذي يعيش تحت نفوذ الحكومة الإسلامية، ومن ارتكبه فقد ارتكب جرمًا عظيمًا حتى حرم الله عليه الجَنَّة، حفاظًا على أمن المجتمع. يقول - صلى الله عليه وسلم -: من قتل معاهدًا - وفي اللفظ: من قتل قتيلًا من أهل الذمة - لم يرح رائحة الجَنَّة ... ". وقال - صلى الله عليه وسلم -: من قتل معاهدًا في غير كنهه حرم الله عليه الجَنَّة.
ومن هذا المنطلق حدد الإسلام علاقات الأمة الإسلامية بالآخرين، كما في قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨)}.
فالإسلام دين الرحمة والشريعة السلام، وهو دين يدعو إلى التعايش السلمي، وإلى صون الحق الإنساني، وحسن العلاقات مع الآخرين من دون ربط لهذا الحق بدين أو اعتقاد أو عرق أو لون ... ، فهم في الوقت نفسه مدعوون إلى الإسلام والسلام. ولا يأتي الإسلام بالحرب إلا للضرورة القصوى وقمع الاعتداء ورد الظلم والانتصار للمظلومين ولضمان انتشار دعوة دين الرحمة والسلام. ويمنع الظلم والعدوان والعنف والطغيان على الخلق جميعًا. قال تعالى:{وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}. إنه دين الرحمة والعدالة ورسالة الشمول والتوازن التي لا يمكن للعالم أن يشفى من أدوائه إلا بها.
على أية حال فإن الإسلام لا يدعو إلى الحرب، ولا يسمح بقيامها إلا إذا كانت في سبيل الله بأحكامها وشروطها وآدابها السامية، ولا يتخذ القرار بهذا الشأن إلا إمام المسلمين العام، لا أي فرد ولا أيّة طائفة. بل لا يجوز أن تؤجج نار الحرب إلَّا عقب مقدّمات من الدعوة الصحيحة إلى الإسلام. وذلك لتحقيق أحد هذه الأغراض السامية وهي: