للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا باللسان، بل دخل القلوب عن حب واختيار، وكان هذا من آثار ما أودع في القرآن من صفات التأثير والأخذ بالألباب" (١).

تقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه: لعل من أهم عوامل انتصارات العرب ما فوجئت به الشعوب من سماحتهم، فما يدعيه بعضهم من اتهامهم بالتعصب والوحشية إن هو إلا مجرد أسطورة من نسج الخيال، تكذبها آلاف من الأدلة القاطعة عن تسامحهم وإنسانيتهم في معاملاتهم مع الشعوب المغلوبة. والتاريخ لا يقدم لنا في صفحاته الطوال إلا عددًا ضئيلًا من الشعوب التي عاملت خصومها والمخالفين لها في العقيدة بمثل ما فعل العرب. وكان لمسلكهم هذا أطيب الأثر مما أتاح للحضارة العربية أن تتغلغل بين تلك الشعوب بنجاح لم تحظ به الحضارة الإغريقية ببريقها الزائف ولا الحضارة الرومانية بعنفها في فرض إرادتها بالقوة) (٢).

{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} هذا ما أمر به القرآن الكريم، وبناء على ذلك فإن العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام. فالمسيحيون والزرادشتيون واليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة للتعصب الديني وأفظعها، سمح لهم جميعًا دون أي عائق يمنعهم، بممارسة شعائر دينهم. وترك لهم المسلمون بيوت عباداتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى. أوَ ليس هذا منتهى التسامح؟ أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال ومتى؟ ومن ذا الذي لم يتنفس الصعداء بعد الاضطهاد البيزنطي الصارخ وبعد فظائع الأسبان واضطهادات اليهود؟ إن السادة والحكام المسلمين الجدد لم يزجوا بأنفسهم في شئون تلك الشعوب الداخلية. فبطريرك بيت المقدس يكتب في القرن التاسع الميلادي لأخيه بطريرك القسطنطينية عن العرب: إنهم يمتازون بالعدل ولا يظلموننا البتة، وهم لا يستخدمون معنا أي عنف) (٣).


(١) نقلًا من كتاب الإسلام الدين الفطري للطرازي صـ ٩٦ وما بعدها.
(٢) شمس العرب تسطع على الغرب صـ ٣٥٧ - ٣٥٨.
(٣) شمس العرب تسطع على الغرب صـ ٣٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>