وهذا هو المبدأ الذي طبق مع الذين نزلت فيهم براءة من الله ورسوله، فقد أعلن الله سبحانه وتعالى براءته وبراءة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء المشركين، الذين لم يحترموا عهدًا ولم يراعوا ذمة ونبذ إليهم ما كان لهم من ميثاق؛ قال تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١)} (التوبة: ١).
وأكد السبب في براءته منهم ونبذ عهودهم عندما أعلن الحفاظ على العهد وإتمام مدته مع الذين حافظوا عليه. قال تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}(التوبة: ٤). ثم أكد مرة أخرى فقال: كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}.
٢ - من المبادئ العظيمة التي قررها القرآن الكريم. أن الغدر حرام، وأن مفاجأة الامن بالشر لا تصح شرعًا ولا تجوز، وتقريرًا لهذا المبدأ:
(أ) فقد حرم على المسلمين أن يستبيحوا لأنفسهم نقض العهد من جانبهم إذا رأوا المصلحة في ذلك- دون أن يعلنوا الجانب الآخر بما اعتزموا عليه، قال تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (٥٨)}.
(ب) ولم يجعل مجرد نبذ العهد وإعلان الخصم به مبيحًا للقتال العاجل وإنما أوجب إعطاءه مهلة لتغليب الأمر، وتدبير الشأن ويكون آمنًا فيها على نفسه، ونجد تطبيق ذلك مع الذين أعلن الله براءته وبراءة رسوله منهم، حيث يقول تعالى في إعلانهم:{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(التوبة: ٥).