التاريخ الإسلامي سلسلة ممتدة من الغزوات والمعارك المتتابعة التي لم تهدأ؛ لتصل إلى القول بأن الإسلام قد قام بحد السيف، شأنه شأن غيره من الديانات السابقة.
ولدفع هذه التهمة لابد من قراءة تاريخ الإسلام إبتداء من نزول الوحي وحتى وفاة صاحب الرسالة:
١ - بداية الدعوة: كانت الدعوة الإسلامية منذ بدايتها سلمية قائمة على العقل والحكمة والإقناع، وليس أدل على ذلك من مخاطبة الوحي للرسول بقوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)} (العلق: ١ - ٥)، فلم تكن الدعوة عُنفيّة؛ بل دعوة حكيمة تستند إلى الفكر والإقناع، قال تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}(النحل: ١٢٥)، فالدعوة موصوفة بالحكمة، والموعظة موصوفة بالحسنة، وهكذا كانت طوال ثلاثة عشر عامًا في مكة قبل الهجرة وعشرة بعدها.
٢ - الهجرة: عندما نزل الرسول بالمدينة وقَّع مع أهلها معاهدة سميت صحيفة المدينة، وهي أول وثيقة دستورية تحدد العلاقات بين الناس على أساس متساو، فقد ورد فيها:(بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم، أنهم أُمة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ظلم أو أثم، أن أيديهم عليه جميعًا ولو كان ولد أحدهم، وأن يهود بني عوف أُمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف، وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وأنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وأن النصر للمظلوم، وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم).