فقد عدَّت هذه الصحيفة الناس أمة واحدة داخل المدينة بغض النظر عن كل اعتبارات اللغة واللون والدين، وهذه الوثيقة تسبق إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بأربعة عشر قرنًا، وتدل على ما للإنسان من كرامة عند هذا الدين الذي أرسله الله رحمة للإنسان وسلامًا.
٣ - صلح الحديبية: أراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يحج إلى الكعبة قبل فتح مكة فمنعته قريش، وكان هناك صلح بين الطرفين وردت فيه عبارات عَدَّها بعض المسلمين مذلة، وكان عمر بن الخطاب ضمن المنتقدين لهذا الصلح، فقد نصت إحدى فقراته على أنه من جاء من المسلمين إلى قريش فلا ترده قريش إلى المسلمين، بينما يرد المسلمون من يأتيهم من قريش مسلمًا، فقد أقر الرسول المعاهدة واحترمها وعمل بما فيها؛ حقنًا لدماء القرشيين والمسلمين معًا؛ ولأن صون حياة الإنسان مقدمة في الإسلام على ما سواها من الأمور.
٤ - فتح مكة: عندما نقض القرشيون صلح الحديبية قرر الرسول أن يفتحها، ولكن سلمًا بدون قتال، وهكذا كان، فعندما فوجئ القرشيون بالجيش الإسلامي ورأوا ما فعلوه بالمسلمين من قتل وحرق وتعذيب وتجويع ومصادرة أموال ظنوا أنهم هالكون، وبخاصة عندما سمعوا سعد بن عبادة حامل راية الأنصار يقول: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذلَّ الله قريشًا. في هذا الموقف الرهيب لم يشأ الرسول أن يتركهم طويلًا تحت وطأة هذه المشاعر المذلة، فاستقبل وجوههم في تسامح وأناة وقال لهم:"يا معشر قريش، ماذا ترون أني فاعل بكم؟ "فتقدم خصم الإسلام بالأمس سهيل بن عمرو وقال: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم. فرد النبي قائلًا:"لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لي ولكم، اذهبوا فأنتم الطلقاء". وكان الرسول قد قال لسعد عندما سمعه يقول: اليوم يوم الملحمة: "لا يا سعد، بل هو يوم المرحمة، واليوم أعز الله قريشًا". أي بالإسلام، وقد ترتب على هذا العفو إسلام أهل مكة وخروجهم مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - لحرب هوازن في غزوة حنين.
إن الانتقام ليس من سلوك المسلمين؛ بل العفو، وهذا ما أراد الرسول القائد أن يعلم أصحابه وأمته في حياته ومن بعده حتى يقتدوا به، وهذا ما حصل في فتح القدس أيام عمر