للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم الإسلام حتى يوجد منه ما يدل على إسلامه طوعا" (١). ولذلك فإنه إذا عاد إلى دينه بعد زوال الإكراه لم يحكم بردته، ولا يجوز قتله ولا إكراهه على الإسلام، ونقل ابن قدامة إجماع أهل العلم على أن الذمي إذا أقام على ما عوهد عليه والمستأمن، لا يجوز نقض عهده ولا إكراهه على ما لم يلتزمه (٢).

ومن سماحة الإسلام في المعاملة أن شرع العدل مع المخالف، وجعل ذلك دليلا على التقوى التي رتب عليها أعظم الجزاء قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة: ٨).

ولذا فإن من يتأمل أحكام الإسلام وتاريخ المسلمين يجد أنه لا يمكن أن يقوم مجتمع تحترم فيه الحقوق والواجبات كما في دولة الإسلام، وفي أوج عزة دولة الإسلام وقوتها كان يوجد من غير المسلمين العلماء والأدباء والأطباء والنابغون في مختلف الفنون والأعمال، وهل يمكن أن يكون لهؤلاء ظهور ونبوغ في أعمالهم لولا سماحة الإسلام ونبذه للتعصب الديني؟

إن المعاهد في بلد الإسلام لا يعيش على هامش المجتمع؛ بل يشارك ويخالط أفراد المجتمع، وقد يسند إليه بعض الأعمال التي هي من صميم عمل أهل الإسلام، فقد جوز الخرقي أن يكون الكافر من العاملين على الزكاة، وذكر في المغني أنها إحدى الروايتين عن الإمام أحمد؛ لأن الله تعالى قال: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} (التوبة: ٦٠). وهذا لفظ عام يدخل فيه أي عامل على أي صفة كانت، ولأن ما يأخذ على العمالة أجرة لعمله فلم يمنع من أخذه كسائر الإجارات (٣).


(١) المغني لابن قدامة ١٢/ ٢٩١.
(٢) انظر سماحة الإسلام في معاملة غير المسلمين إعداد: د/ عبد الله اللحيدان، اللجنة العلمية للمؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب.
(٣) انظر المغني لابن قدامة ٤/ ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>