للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجاء على لسان نوح عليه السلام: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} (هود: ٢٨) وفي دعوة إبراهيم لأبيه "فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه".

وفي دعوة موسى وهارون عليهما السلام لفرعون: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه: ٤٤) وفي دعوة نبينا - صلى الله عليه وسلم -: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} (الغاشية: ٢١، ٢٢).

بل إن الوقائع التاريخية لتؤكد كذلك خلو الدعوة الإسلامية من الإكراه، وإلا فأين الإكراه الذي فرض على المسلمين في مكة قبول الدين؟

إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه كان مضطهدًا، ومن حوله من أتباع كانوا يعذبون ويضطهدون، وحالة كهذه لا يعقل أن يكون معها إرغام على الإسلام؛ بل قد تكون مانعة من الدخول في الإسلام أو إظهاره على الأقل (١).

وعبر تاريخ دولة الإسلام كان يعيش في داخلها غير المسلمين في مراحل قوتها وضعفها، فلم يجبروا على ترك معتقداتهم أو يكرهوا على الدخول في الإسلام، والقاعدة العظمى في الإسلام أن لا إكراه في الدين، ولذا فقد عاش الذميون وغيرهم في كنف دولة الإسلام دون أن يتعرض أحد لعقائدهم ودياناتهم (٢).

إن الإسلام لم يقم على اضطهاد مخالفيه، أو مصادرة حقوقهم، أو تحويلهم بالكره عن عقائدهم، أو المساس الجائر لأموالهم وأعراضهم ودمائهم، وتاريخ الإسلام في هذا المجال أنصع تاريخ على وجه الأرض (٣).

ومن المقرر عند الفقهاء أنه لو أكره أحد على الإسلام فإنه لا يصح إسلامه. قال في المغني: "وإذا أكره على الإسلام من لا يجوز إكراهه كالذمي والمستأمن فأسلم لم يثبت له


(١) حولية كلية أصول الدين العدد ٢٢، المجلد الثاني صـ ١٤١١ - ١٤١٢.
(٢) انظر تلبيس مردود في قضايا حية، صالح بن حميد صـ ٣٠.
(٣) التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام محمد الغزالي صـ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>