ذلك أن الدولة الإسلامية دولة عقائدية - أو بتعبير المعاصرين أيديولوجية - أي: أنها دولة تقوم على مبدأ وفكرة، ومثل هذه الدولة لا يقاتل دفاعًا عنها إلا الذين يؤمنون بصحة مبدئها وسلامة فكرتها، وليس من المعقول أن يؤخذ شخص ليضع رأسه على كفه، ويسفك دمه من أجل فكرة يعتقد ببطلانها، وفي سبيل دين لا يؤمن به، والغالب أن دين المخالفين ذاته لا يسمح لهم بالدفاع عن دين آخر والقتال من أجله.
ولهذا قصر الإسلام واجب الجهاد على المسلمين؛ لأنه يعد فريضة دينية مقدسة، وعبادة يتقرب بها المسلم إلى ربه حتى إن ثواب المجاهد ليفضل ثواب العابد القانت الذي يصوم النهار ويقوم الليل.
ولكن الإسلام فرض على هؤلاء المواطنين من غير المسلمين أن يسهموا في نفقات الدفاع، والحماية للوطن عن طريق ما عرف في المصطلح الإسلامي باسم الجزية.
فالجزية - فضلًا عن كونها علامة خضوع للحكم الإسلامي - هي في الحقيقة بدل مالي عن الخدمة العسكرية المفروضة على المسلمين.
ولهذا فرضها الإسلام على كل قادر على حمل السلاح من الرجال، فلا تجب على امرأة، ولا صبي؛ لأنهما ليسا من أهل القتال، وقد قال عمر: لا تضربوها على النساء والصبيان، ولهذا قال الفقهاء: لو أن امرأة بذلت الجزية ليسمح لها بدخول دار الإسلام تمكن من دخولها مجانًا، ويرد عليها ما أعطته؛ لأنه أخذ بغير حق، وإن أعطتها تبرعًا مع علمها بأن لا جزية عليها قبلت منها، وتعتبر هبة من الهبات.
ومثل المرأة والصبي الشيخ الكبير، والأعمى، والزَّمِن، والمعتوه، وكل من ليس من أهل السلاح.