للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن سماحة المسلمين أنهم قرروا أن لا جزية على الراهب المنقطع للعبادة في صومعته؛ لأنه ليس من أهل القتال (١).

يقول المؤرخ الغربي آدم ميتز: (كان أهل الذمة - بحكم ما يتمتعون به من تسامح المسلمين معهم، ومن حمايتهم لهم - يدفعون الجزية كل منهم بحسب قدرته، وكانت هذه الجزية أشبه بضريبة الدفاع الوطني، فكان لا يدفعها إلا الرجل القادر على حمل السلاح، فلا يدفعها ذوو العاهات، ولا المترهبون، وأهل الصوامع إلا إذا كان لهم يسار) (٢).

على أن هناك علة أخرى لإيجاب الجزية على أهل الذمة، وهي العلة التي تبرر فرض الضرائب من أي حكومة في أي عصر على رعاياها، وهي إشراكهم في نفقات المرافق العامة التي يتمتع الجميع بثمراتها ووجوه نشاطها، كالقضاء والشرطة، وما تقوم به الدولة من إصلاح الطرق وإقامة الجسور، وما يلزمها من كفالة المعيشة الملائمة لكل فرد يستظل بظلها مسلمًا كان أو غير مسلم.

والمسلمون يسهمون في ذلك بما يدفعونه من زكاة عن نقودهم، وتجاراتهم، وأنعامهم، وزروعهم، وثمارهم، فضلًا عن صدقة الفطر وغيرها، فلا عجب أن يطلب من غير المسلمين المساهمة بهذا القدر الزهيد وهو الجزية.

ومن ثم وجدنا كتب الفقه المالكي تضع أحكام الجزية لأهل الذمة في صلب أحكام الزكاة للمسلمين (٣).

إن الجزية بدل عن الحماية العسكرية التي تقوم بها الدولة الإسلامية لأهل ذمته في المرتبة الأولى، فإذا لم تستطع الدولة أن تقوم بهذه الحماية لم يعد لها حق في هذه الجزية أو هذه الضريبة.


(١) انظر على سبيل المثال: مطالب أولي النهى بشرح غاية المنتهى في فقه الحنابلة ٢/ ٩٦.
(٢) الحضارة الإسلامية ١/ ٩٦.
(٣) انظر على سبيل المثال: الرسالة لابن أبي زيد مع شرحها لابن ناجي، وزروق ١/ ٣٣١ وما بعدها، حيث وضعت الجزية في صلب أبواب الزكاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>