للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا ما صنعه أبو عبيدة حين أبلغه نوابه عن مدن الشام بتجمع جحافل الروم، فكتب إليهم أن يردوا الجزية عمن أخذوها منه، وأمرهم أن يعلنوهم بهذا البلاغ: إنما رددنا عليكم أموالكم؛ لأنه قد بلغنا ما جُمِعَ لنا من الجموع، وإنكم اشترطم علينا أن نمنعكم، أي نحميكم إنَّا لا نقدر على ذلك، وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم، ونحن لكم على الشروط، وما كتبنا بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم. رواه أبو يوسف في "الخراج".

وجاء في كثير من العقود التي كتبها قواد المسلمين كخالد وغيره لأهل الذمة مثل هذا النص: إن منعناكم فلنا الجزية، وإلا فلا حتى نمنعكم. كما روى ذلك الطبري في تاريخه.

وتسقط الجزية أيضًا باشتراك أهل الذمة مع المسلمين في القتال والدفاع عن دار الإسلام ضد أعداء الإسلام، وقد نص على ذلك صراحة في بعض العهود والمواثيق التي أُبرمت بين المسلمين، وأهل الذمة في عهد عمر - رضي الله عنه - (١).

أما طريقة جمع الجزية وموعدها فيقول صاحب كتاب "الإسلام وأهل الذمة" (٢) أخذًا عن أوثق المصادر: كانت الجزية تجمع مرة واحدة كل سنة بالشهور الهلالية (٣)، وكان يسمح بدفع الجزية نقدًا أو عينًا، لكن لا يسمح بتقديم الميتة، أو الخنزير، أو الخمر بدلًا من الجزية. وأمر عمر بن الخطاب بالتخفيف عن أهل الذمة فقال: من لم يطق الجزية خففوا عنه، ومن عجز فأعينوه؛ فإنا لا نريدهم لعام أو لعامين (٤)، وكانت الدولة الإسلامية كثيرًا ما تؤخر موعد تأدية الجزية حتى تنضج المحصولات الزراعية، فيستطيع أهل الذمة تأديتها


(١) انظر: أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام للدكتور عبد الكريم زيدان صـ ١٥٥ وما بعدها، وراجع على سبيل المثال: فتوح البلدان للبلاذري صـ ٢١٧، حيث صالح مندوب أبي عبيدة جماعة الجراجمة المسيحيين أن يكونوا أعوانًا للمسلمين، وعيونًا على عدوهم، وإلا يؤخذوا بالجزية.
(٢) الإسلام وأهل الذمة صـ ٧٠ - ٧١.
(٣) الماوردي الأحكام السلطانية صـ ١٣٨.
(٤) تاريخ دمشق لابن عساكر ١/ ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>