للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دون أن يرهقهم ذلك، فقال أبو عبيد (١): وإنما وجه التأخير إلى الغلة للرفق بهم.

واتبعت الدولة الاسلامية الرفق والرحمة في جمع الجزية، فقد قدم أحد عمال عمر بن الخطاب عليه بأموال الجزية فوجدها عمر كثيرة فقال لعامله: إني لأظنكم قد أهلكتم الناس؟ فقال: لا، والله ما أخذنا إلا عفوًا صفوًا، فقال عمر: بلا سوط، ولا نوط؟ فقال: نعم، فقال عمر: الحمد لله الذي لم يجعل ذلك على يدي ولا في سلطاني (٢).

والواجب الثاني على أهل الذمة: أن يلتزموا أحكام الإسلام التي تطبق على المسلمين؛ لأنهم بمقتضى الذمة أصبحوا يحملون جنسية الدولة الإسلامية فعليهم أن يتقيدوا بقوانينها التي لا تمس عقائدهم وحريتهم الدينية.

فليس عليهم أي تكليف من التكاليف التعبدية للمسلمين، أو التي لها صبغة تعبدية أو دينية مثل الزكاة التي هي ضريبة وعبادة في الوقت نفسه، ومثل الجهاد الذي هو خدمة عسكرية وفريضة إسلامية. ومن أجل ذلك فرض الإسلام عليهم الجزية بدلًا من الجهاد والزكاة -كما عرفنا- رعاية لشعورهم الديني أن يفرض عليهم ما هو من عبادات الإسلام.

وليس عليهم في أحوالهم الشخصية والاجتماعية أن يتنازلوا عما أحله له دينهم، وإن كان قد حرمه الإسلام، كما في الزواج، والطلاق، وأكل الخنزير، وشرب الخمر. فالإسلام يقرهم على ما يعتقدون حله، ولا يتعرض لهم في ذلك بإبطال ولا عتاب.

فالمجوسي الذي يتزوج إحدى محارمه، واليهودي الذي يتزوج بنت أخيه، والنصراني الذي يأكل الخنزير، ويشرب الخمر، لا يتدخل الإسلام في شئونهم هذه ما داموا يعتقدون حلها، فقد أمر المسلمون أن يتركوهم وما يدينون، فإذا رضوا بالاحتكام إلى شرع المسلمين في هذه الأمور حكمنا فيهم بحكم الإسلام لقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا


(١) الأموال صـ ٤٤.
(٢) المصدر السابق صـ ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>