للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقول (زيغريد هونكة) المستشرقة الألمانية الشهيرة "لو أردنا دليلا آخر على مدى الهوة العميقة التي كانت تفصل الشرق عن الغرب، لكفانا أن نعرف أن نسبة ٩٥ في المائة على الأقل من سكان الغرب في القرون: التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر كانوا لا يستطيعون القراءة والكتابة، وبينما كان شارل الأكبر يجهد نفسه في شيخوخته لتعلم القراءة والكتابة. . . كانت الآلاف مؤلفة في المدارس في القرى والمدن تستقبل ملايين البنيين والبنات يجلسون على سجادهم الصغير يكتبون بحبر يميل إلى السواد فوق ألواح خشبية، . . . فلم تكن المساجد مجرد أماكن تؤدى فيها الصلوات فحسب؛ بل كانت منبرًا للعلوم والمعارف.

كما ارتفعت فيها كلمات الرسول فوق مجد التدين الأعمى. ألم يقل محمد أقوالًا، كان يكفي لأن يقولها في روما حتى يحاكم عليها بتهمة الهرطقة. . . لقد قدم العرب بجامعاتهم التي بدأت تزدهر منذ القرن التاسع، والتي جذبت إليها منذ عهد البابا سلفستر الثاني عددًا من الغربيين من جانبي جبال البرانس ظل يتزايد حتى صار تيارًا فكريًّا دائمًا. (١)

يقول د: لويس لونج "يجب ألا ننسى الوجه الآخر للصورة في العصور الوسطى، عندما عكفت أوروبا على علوم العرب من طبّ وفلسفة وطبيعة، واستمرّ ذلك لفترة طويلة. حتى إذا كان القرن الثامن عشر قبست منهم نار الرومانطقية، وفي القرن التاسع عشر سلبتهم أراضيهم، ثم بترولهم في القرن العشرين. وعلى الرغم من سجل أوروبا الطافح بالتزمت الفكري واللّاتسامح الديني، على النقيض من المسلمين، فإنها ظلت ترفض الاعتراف بما للعرب من يد طولى على حضارتها، وتتجاهل دورهم الحضاري وتقلّل من شأنه". (٢)

وانظر إلى مدى التخلف الحضاري الأوروبي: في عام ١٨١٩ م ندّدت صحيفة كولونيا في ألمانيا بإضاءة شوارع المدينة بالغاز؛ إذ إن الإنسان في هذه الحالة قد حطّم إرادة الله التي


(١) شمس العرب تسطع على الغرب (٣٦٩ - ٣٧٤، ٣٩٣ - ٣٩٨).
(٢) انظر: الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، لواء: أحمد عبد الوهاب صـ ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>